الديمقراطية فنٌ ووعيٌ وحضارةٌ

إيمان أحمد ونوس:

لطالما تغنّت الحكومات والدول بالديمقراطية، ولطالما حلم بها الأفراد، سواءٌ في الأسرة، أو المجتمع، بكل تفرعاته الرسمية، باعتبارها وبمفهومها الأوسع، تشمل الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية وووو… الخ، التي تمكّن الناس من ممارسة حريتهم، وحقهم في تقرير مصيرهم، في البلد الذي ينتمون إليه، لكنها بمفهومها الضيّق، تكون مجرّد وصفٍ لنظام الحكم في هذا البلد، وبالتالي فهي مصطلح يعني حكم الشعب. وقد ظهر هذا المصطلح في القرن الخامس قبل الميلاد، في أثينا. غير أن الثورة الفرنسية عام 1789، هي من أسست للديمقراطية الغربية، بمفهومها السائد اليوم، فقد أصدرت فرنسا قانوناً ،كان مستلهَماً من أفكار عصر التنوير، بأن الشعب هو مصدر السلطة، وأن جميع البشر متساوون في قيمتهم الانسانية.

أمّا إذا ما ألقينا نظرةً على الواقع العربي برمّته، فلا بدّ أن ينتابنا شعورٌ من الإحباط واليأس، من أن لا ديمقراطيةً حقيقيةً نعيشها، لا كأفرادٍ فيما بيننا، ولا كحكوماتٍ، بينها وبين مواطنيها.

ذلك أن فهم الديمقراطية، وممارستها، أو معايشتها، تحتاج لثقافةٍ تؤهّلنا لأن نمتلك وعياً حقيقياً للديمقراطية، وضرورتها في حياتنا، أفراداً وجماعاتٍ، ممّا ينعكس على اختيارنا الحر للحكومات، التي تتولّى شؤون البلاد والعباد.

لكننا على المستوى الشخصي نفتقد ذلك الوعي، وتلك الثقافة، ما يُبقينا في حالةٍ من الديكتاتورية المقيتة، ابتداءً من الأسرة، حيث للأب مطلق الصلاحيات، وما على الزوجة والأبناء سوى الطاعة العمياء، لكلّ ما يفرضه أو يختاره، وهكذا وصولاً إلى مختلف المؤسسات المجتمعية، والرسمية، بما فيها الدينية، التي يستبدّ فيها المسؤول غالباً برأيه وقراراته القطعية.

إن هذا الواقع المأساوي في عالمنا العربي، إن استمر على ما هو عليه، لم ولن يمكننا من فهم وممارسةٍ حقيقيةٍ للديمقراطية، التي إن لم نصلها يوماً، سنبقى بلا أدنى شكٍ في حضيض التبعيّة والتّخلّف، والقمع والاستبداد، الذي يقود إلى رفض الآخر جملةً وتفصيلاً، وهذا ما أدّى بالعديد من البلدان، في السنوات العشر الأخيرة، إلى حروبٍ ونزاعاتٍ، ما زال فتيلها مشتعلاً، أو كامناً تحت رماد هذا القمع والتسلّط.

العدد 1104 - 24/4/2024