مهام ذات طابع فكري وثقافي إلى جانب إعادة الإعمار بانتظار سورية الجديدة!

محمد الزبيدي: 

 ستصبح سماء سورية صافية من جديد.. فمع اقتراب العمليات العسكرية من  الانتهاء، وقد بدأت تلوح معالمه في الأفق، ومع اندحار القوى الظلامية السوداء التي خيَمت على الكثير من أراضي سورية، تنفتح أمام البلاد من جديد آفاق رحبة، إذا استطاع السوريون أن يستفيدوا من عِبَر الماضي ومن تجاربه المريرة.

إن السوريين بأجمعهم أمام امتحان صعب يتعلق بمستقبلهم ويتعلق ببلادهم وتطورها اللاحق، وتنتصب أمامهم مهام كبيرة عليهم أن يجدوا لها حلولاً تخدم مصالحهم وتخدم بلادهم وتطورها اللاحق.

إن المتتبع لمجريات الأمور في سورية، يعرف جيداً أن المهام التي ستنتصب أمامها، مع انهيار القوى الإرهابية وعودة الأمن والأمان لكثير من ربوع سورية، ستكون صعبة، وأنها تقتضي بذل جهود كبيرة لكي يتحقق إنجازها بنجاح. ولعل أبرزها مهام إعادة إعمار البلاد التي تهدّمت في سياق هذه الحرب القذرة التي استمرت أكثر من سبع سنوات طِوال. وفي هذا السياق تبرز وجهتا نظر متعارضتان فيما يتعلق بهذه المسألة، وربما سيكون الحل مرتبطاً بتحديد مسارات التطور الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. فعلى ضوء تحديد ذلك يتعلق حل مسألة الإعمار وبأي اتجاه ستسير.

وهنا لا بد من التأكيد أننا نقف ودون تردد إلى جانب حل هذه المسألة بما يخدم مصالح الأكثرية الساحقة من الشعب، الذين تضررت مصالحهم بصورة جذرية بفعل الإرهاب.

إذاً، تبرز أمام البلاد مهام إعادة الإعمار، وتتضمن مهام إعادة البنية التحتية للبلاد، من طرق وسكك حديدية ومصانع ومدارس ومستشفيات والكثير الكثير غيرها. أي إعادة بناء الأسس التي تنطلق منها جميع المسائل الأخرى، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية. ثم تأتي في السياق نفسه مهام إعادة البنى السكنية، وذلك لتأمين عودة المهاجرين والمهجرين، أو النازحين إلى بيوتهم، لكي يسهموا من جديد في عملية بناء سورية الجديدة، وفي عملية البناء الاقتصادي لها، وعلى الأخص الزراعي. ثم تبرز بعد ذلك المهام ذات الطابع الخدمي، وهي دون شك هامة جداً، إلا أن ترتيبها يأتي بالدرجة الثانية، وغيرها من المهام الأخرى.

وأمام سورية الجديدة أيضاً، تبرز مهام ذات طابع فكري وثقافي، ويجب إعادة النظر في السياسة التي اتبعت سابقاً، والتي لم يكن لها تأثير حقيقي في تكوين فكر جديد في البلاد يشكل سوراً حامياً في وجه الغزو الظلامي الذي هاجم البلاد. لا بدّ، إذاً، من فكر نهضوي جديد وثقافة فكرية، تعزز ذلك سياسة منفتحة على كل جديد، سياسة تستوعب كل ألوان الطيف الفكري والثقافي في البلاد. وتبرز أيضاً أمام البلاد، مهام متعلقة بالمسائل التعليمية لم يعد يكفي التوسع الكمّي في التعليم.. ربما كان هذا الأمر له ضروراته في مرحلة معينة من مراحل تطور سورية. أما الآن فلم يعد يكفي، إذ يجب أن يجري التركيز على الجانب الكيفي في التعليم، لأنه هو الذي يلعب الأساس في التكوّن المعرفي في البلاد، وهو الذي يدخل في أساس النهضة التي يجب أن تكون بعد المخاض العسير الذي عشناه. وتبرز أيضاً أمام البلاد مهام سياسية أهمها كيف يجب أن يستعيد السوريون وحدتهم الوطنية المنفتحة والمبنية على التنوع. ويجب علينا نحن السوريين أن نستوعب أننا جميعاً سوريون، وأن لا نخشى الاختلاف في الآراء، لأن هذا الاختلاف يدخل في أساس وحدتنا الوطنية.

نحن السوريون يجب أن نبني بلادنا معاً، ويجب أن يكون شعارنا التسامح فيما بيننا. إن مصالح الوطن العليا تقتضي ذلك.. تقتضي أن يعيد السوريون إلى بلادهم أَلَق حضارتهم التي عمَّ إشعاعها في وقت من الأوقات العالم بأسره.

العدد 1105 - 01/5/2024