معرض دمشق الدولي.. تظاهرة حضارية ثقافية

 د. عاطف بطرس:

 أمام جفاف حياتنا وخلوها من البهجة والأفراح، كثيراً ما تهرب الذاكرة بنا إلى الماضي، في عملية استرجاعية، هدفها شحذ الهمم والتقوّي لمواجهة الحاضر المؤلم.

على أبواب افتتاح الدورة الـ60 لمعرض دمشق الدولي تعود بي الذاكرة إلى بردى، في عزّ شبابه، ومياهه تتراقص بألوانها الزاهية، على إيقاع أغنيات فيروز (أنا صوتي منك يا بردى، مرّ بي يا واعداً وعدا، قد غبت عنكم ومالي في الغياب يدٌ)، التي غنتها فيروز لتغيبها عاماً عن مسرح المعرض.

المعرض لم يكن تظاهرةً اقتصاديةً سياحيةً، بل كان أيضاً ظاهرةً حضاريةً تعّبر عن قدرة دمشق على الانفتاح على العالم، وتقبّل منتجاته الصناعية، دون الإحساس بالنّقص أو الدونية.

ما يلفت الانتباه في المعرض اللوحات الفلكلورية، التي تجمع أبناء سورية على اختلاف منابتهم، ومدنهم، وقراهم، في مساحة تمتد من جسر فكتوريا، إلى ساحة الأمويين، بكل ثقلها التاريخي، كل منهم يحمل عاداته وتقاليده، في وحدة جمعية اجتماعية، تجسد متانة النسيج الاجتماعي في سورية، تلك الوحدة التي حاول أعداؤنا من قوى ظلامية همجية، الإساءة إليها.

من منّا ينسى تلك الأجنحة العملاقة التي تحتوي أحدث منجزات الحضارة، بما فيها علوم الفضاء، والمواصلات، والاتصالات، مع تعريفٍ بتاريخ هذه المنجزات، أليس هذا ثقافةً ومعرفة؟.

في الجناح السوفييتي كنّا نخرج منه، بحزمة من الكتب الفكرية والسياسية، توزع مجاناً، صحيح أنها ذات طابعٍ دعائيّ للدولة السوفيتية وفكرها، ولكنه صحيح أيضاً، أن هذا الفكر كان يساهم في تعزيز، ودعم حركات التحرر الوطني، ويساند الدول التي تتصدى للهيمنة الأمريكية، والعولمة المتوحشة.

انتقال المعرض من منتصف مدينة دمشق، وابتعاده عن نهر بردى الذي جفت مياهه، قلل من بهجته ونداوته، ولكن تلك هي مشاكل المدن الكبرى، فلا مهرب من نقل المكان إلى خارج المدينة.

لقد سعى المسؤولون لتأمين وسائط النقل للزوار مجاناً، ليوفرّوا لهم إمكانية إحياء هذا الطقس الجميل، الذي توقف سنوات بسبب الحرب الظالمة على سورية.

في هذا العام تضاعف عدد الدول المشاركة في المعرض، قياساً بالعام الماضي وكل ما نأمله أن يبقى المعرض ظاهرةً حضاريةً سياحيةً اقتصاديةً ثقافيةً، وأن يضاف إليه جناحٌ للكتاب، وعلى هامش هذا الجناح تقام أنشطةٌ ثقافيةٌ، و عروضٌ سينمائية، و أمسياتٌ شعرية وقصصية، إضافة إلى محاضرات ثقافية وفكرية.

يتبادر إلى بعض العقول سؤالٌ: ما هي العلاقة بين المعرض والثقافة، متجاهلين أنهما وحدة تكاملية، فمنجزات الحضارة لا تنفصل عن إنجازات الثقافة، وكثيراً ما يتداخل الثقافيّ بالحضاري.

بديهي أن لا تلقى الأنشطة الثقافية إقبالاً جماهيراً، لكن تعوّد الزوّار عليها عاماً بعد عامٍ، يشكّل قيمةً مضافةً إلى حوامل نجاح المعرض.

نتمنى للمعرض النجاح في دورته الـ60 فهو تعبير عن حيوية شعبنا، وقدرة بلدنا على الصمود، وإعادة البناء وتجديد الحياة، التي حاول أعداؤنا إيقافها.

العدد 1104 - 24/4/2024