الرئيس الأسد لقناة «روسيا اليوم»:

العالم لن يستطيع تحمّل نتائج أي غزو أجنبي لسورية

 

 تحدث الرئيس بشار الأسد في مقابلة خاصة مع قناة (روسيا اليوم)، حول الأزمة السورية ومجرياتها وتداعياتها على المنطقة والعالم، وتناول العلاقات بين سورية ودول الجوار، ومع كل من تركيا وإيران ومع الدول الغربية، وحدد أوّليات السياسة السورية في هذه المرحلة.. وهذه مقتطفات من الحديث:

 

العدو الرئيسي

إن عدونا هو الإرهاب وعدم الاستقرار في سورية.. هذا هو عدونا.. الأمر لا يتعلق بالأشخاص.. والمسألة لا تتعلق ببقائي أو رحيلي، بل تتعلق بأن يكون البلد آمناً أو غير آمن.. هذا هو العدو الذي نقاتله كسوريين.

أنا لم أكن المستهدف منذ البداية.. ولم أكن أنا المشكلة بأي حال من الأحوال.. فالغرب يخلق الأعداء دائماً.. في الماضي كان العدو هو الشيوعية.. ومن ثم أصبح الإسلام.. ثم صدام حسين، ولأسباب مختلفة.. والآن يريدون أن يخلقوا عدواً جديداً يتمثل ببشار.. ولهذا يقولون إن المشكلة تكمن في الرئيس، وأن عليه أن يرحل.. ولهذا السبب علينا أن نركز على المشكلة الحقيقية، وألا نضيع وقتنا بالإصغاء إلى ما يقولون.

 

مقومات الصمود

المسألة لا تتعلق بصلاحيات الرئيس بل بالمجتمع بأسره.. وينبغي أن نكون دقيقين في هذا الصدد.. فالرئيس لا يستطيع فعل شيء دون المؤسسات، ودون الدعم الشعبي، لذلك فإن المعركة هنا ليست معركة الرئيس إنها معركة السوريين، كل سوري يشارك حالياً في الدفاع عن بلده.

نركز على العدو الخارجي حتى لو كان لدينا عدو داخلي كالإرهاب، لأن المجتمع يساعدنا على الأقل في عدم توفير حاضنة للإرهابيين.. الآن وفي هذه الحالة لدينا نوع جديد من الحرب، إذ يمارس الإرهاب بالوكالة.. سواء من خلال سوريين يعيشون في سورية، أو مقاتلين أجانب يأتون من الخارج.. وهذا نوع جديد من الحروب، وعلينا أن نتكيف مع هذا الأسلوب الجديد.. وهذا يستغرق وقتاً وليس سهلاً.

المشكلة أن أولئك الإرهابيين يقاتلون من داخل المدن.. وفي المدن يوجد مدنيون.. وعندما نقاتل هذا النوع من الارهابيين، ينبغي أن نحرص على أن يكون الضرر في حده الأدنى على البنية التحتية والمدنيين.. لكن علينا أن نقاتل، لأننا لا نستطيع ترك الإرهابيين يقتلون ويدمّرون.. وهذه هي الصعوبة في هذا النوع من الحروب.

 

نحن وتركيا

الحرب بحاجة إلى الدعم الشعبي، وأغلبية الشعب التركي لا تريد مثل هذه الحرب، لذلك لا أعتقد أن أي مسؤول عقلاني يمكن أن يفكر بمعارضة إرادة الشعب في بلاده.. وينطبق الأمر ذاته على الشعب السوري.. وهكذا ليس هناك خلاف بين الشعب السوري والشعب التركي، بل يتعلق الأمر بالحكومات والمسؤولين.. بين مسؤولينا ومسؤوليهم بسبب سياساتهم.. وهكذا لا أعتقد أن هناك أي احتمال لقيام حرب بين سورية وتركيا.

ليس تركيا وليس الشعب التركي، بل حكومة أردوغان، كي نكون دقيقين.. فالشعب التركي بحاجة إلى علاقات جيدة مع الشعب السوري.. وأردوغان يعتقد أنه إذا استولى الإخوان المسلمون على الحكم في المنطقة، وخصوصاً في سورية، يستطيع أن يضمن مستقبله السياسي، وهذا سبب.. والسبب الآخر هو أنه يعتقد شخصياً أنه السلطان العثماني الجديد، ويستطيع السيطرة على المنطقة كما كان الأمر خلال عهد الإمبراطورية العثمانية، وتحت مظلة جديدة.. وهو يفكر في أعماقه بأنه خليفة.. وهذان هما السببان الرئيسيان لهذا التحول في سياساته من صفر مشاكل إلى صفر أصدقاء.

 

نحن والدول العربية

العديد من البلدان تؤيدنا ضمنياً لكنها لا تجرؤ على التصريح بذلك علناً.. لكن هناك أولاً العراق الذي يلعب دوراً فعالاً في دعم سورية في هذه الأزمة، لأنه بلد مجاور، وهم يدركون أنه إذا حدثت حرب داخل سورية، فستكون هناك حرب في البلدان المجاورة، وبضمن ذلك العراق.. وهناك بلدان أخرى لها مواقف جيدة مثل الجزائر وعُمان بشكل أساسي.. وهناك بلدان أخرى لست بصدد تعدادها الآن لديها مواقف إيجابية، لكنها لا تتصرف بناء على تلك المواقف.

وجواباً على سؤال حول إصرار السعودية وقطر على التنحي.. وكيف يمكن لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط أن تخدم أجنداتهما، قال:

إن المشكلة بين سورية والعديد من البلدان، سواء في العالم العربي أم في المنطقة أم في الغرب، هي أننا نقول لا عندما نعتقد أن علينا أن نقول لا.. تلك هي المشكلة، وبعض البلدان تعتقد أنها تستطيع السيطرة على سورية من خلال الإملاءات ومن خلال المال أو البترودولارات، وهذا غير ممكن في سورية.. وهذه هي المشكلة. ربما يريدون أن يلعبوا دوراً.. ليست لدينا مشكلة في ذلك.. وهم يستطيعون أن يلعبوا دوراً، سواء كانوا يستحقون ذلك أم لا.. لكن ليس على حساب مصالحنا.

 

نحن وإيران

كانت لدينا علاقات جيدة مع إيران منذ عام 1979 حتى الآن، وعلاقاتنا تتحسن باستمرار، لكننا في الوقت نفسه نتحرك نحو السلام، وكانت لدينا عملية سلام ومفاوضات سلام.. ولم تكن إيران عاملاً ضد السلام، وهذه معلومات مضللة يسعى الغرب لترويجها، وهي أننا إذا كنا نريد السلام، فلا ينبغي أن تكون لدينا علاقات طيبة مع إيران.. ليس هناك أي علاقة بين الأمرين، إنهما موضوعان مختلفان تماماً.. لقد قدمت إيران الدعم لسورية ودعمت قضيتنا.. قضية الأراضي المحتلة.. وعلينا أن ندعمها في قضاياها، وهذا أمر واضح وبسيط.

 

متحدون ضد الإرهاب

إننا نحارب الإرهاب ونطبّق الدستور لحماية الشعب السوري.. ولنعد إلى ما حدث في روسيا قبل أكثر من عقد من الزمن.. كنتم تواجهون الإرهاب في الشيشان وأماكن أخرى، وكانوا يهاجمون المسارح والمدارس وغيرها، وكان الجيش الروسي يحمي الشعب، فهل تسمّون ذلك جرائم حرب؟ بالتأكيد لا.

قبل بضعة أيام اعترفت (إمنيستي إنترناشونال) بالجرائم التي ارتكبتها المجموعات المسلحة عندما أسرَتْ جنوداً وأعدمتهم. كما أن (هيومن رايتس ووتش) اعترفت أكثر من مرة بالجرائم التي ترتكبها تلك المجموعات، ووصفتها قبل أيام بأنها جرائم حرب، هذا أولاً.. وثانياً من غير المنطقي أن يرتكب جيش جرائم حرب ضد شعبه، لأن الجيش السوري يتكون من أفراد الشعب السوري.. ولو أراد الجيش أن يرتكب جرائم بحق شعبه فإنه سينقسم ويتفتت.. ولذلك لا يمكن أن يكون هناك جيش قوي وموحد وفي الوقت نفسه يقوم بقتل شعبه.. ثالثاً لا يمكن للجيش أن يصمد لمدة 20 شهراً في هذه الظروف الصعبة، دون أن يحظى باحتضان الشعب السوري.. فكيف يمكن أن يحظى بهذا الاحتضان، في حين يقوم بقتل الشعب… هذا تناقض.

 

الحوار والواقعية يحققان النجاح

كنت دائماً أؤمن بالدبلوماسية، وأؤمن دائماً بالحوار، حتى مع أولئك الذين لا يفهمون الحوار أو لا يؤمنون به.. علينا أن نستمر في المحاولة، وأعتقد أننا سنحقق دائماً نجاحاً جزئياً.. علينا أن نسعى إلى هذا النجاح الجزئي قبل أن نحقق النجاح الكامل.. لكن علينا أن نكون واقعيين.. لا ينبغي الاعتقاد أن الحوار وحده هو الذي يمكن أن يحقق النجاح.. لأن أولئك الذين يرتكبون هذه الأعمال ينقسمون إلى أنواع.. نوع لا يؤمن بالحوار وخصوصاً المتطرفين.. والنوع الثاني يتكون من الخارجين على القانون الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية قبل سنوات من بدء الأزمة، وعدوهم الطبيعي هو الحكومة، لأنهم سيسجنون إذا عادت الأمور إلى طبيعتها.

إن النوع الآخر هم الأشخاص الذين تلقّوْا الدعم من الخارج.. وهؤلاء ملتزمون فقط تجاه الأشخاص أو الحكومات التي دفعت لهم وزودتهم بالسلاح.. وهؤلاء لا يمتلكون قرارهم.. ولذلك علينا أن نكون واقعيين.. وهناك نوع آخر من الناس، سواء كانوا مقاتلين أم سياسيين، يقبلون الحوار، لذلك فقط شرعنا في هذا الحوار منذ أشهر حتى مع المقاتلين، وقد تخلى بعضهم عن السلاح وعاد إلى حياته الطبيعية.

 

الغزو الخارجي مستبعد

أعتقد أن كلفة مثل هذا الغزو، لو حدث، ستكون أكبر من أن يستطيع العالم بأسره تحملها، لأنه إذا كانت هناك مشاكل في سورية، وخصوصاً أننا المعقل الأخير للعلمانية والاستقرار والتعايش في المنطقة، فإن ذلك سيكون له أثر الدومينو الذي سيؤثر في العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي.. وله تداعيات على باقي أنحاء العالم.. لا أعتقد أن الغرب يمضي في هذا الاتجاه.. لكن إذا فعلوا ذلك، لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحدث بعده.

 

أرى بلادي

أرى نفسي من خلال بلادي.. لا أستطيع أن أرى نفسي.. أستطيع أن أرى بلادي.. أستطيع أن أرى نفسي من خلال بلادي.

بالتأكيد ينبغي أن أكون في سورية.. الأمر لا يتعلق بالمنصب، سواء كنت رئيساً أو غير ذلك.. هذا ليس همّي.. أرى نفسي في هذا البلد، وأن يكون هذا البلد آمناً ومستقراً وأكثر رخاء.

العدد 1104 - 24/4/2024