هل يمثل مؤتمر بالي للمناخ الدولي خطوة إيجابية؟

إثر مفاوضات ماراثونية استمرت ثمانية أيام «منذ مطلع شهر تشرين الثاني» بين دول أطراف معاهدة كيوتو الموقع عليها قبل عشرات سنوات، اتفق ممثلو187 دولة، على البدء بمفاوضات اتفاق جديد حول تغيير المناخ- ظاهرة الاحتباس الحراري وتبعاته السلبية وطنياً ودولياً، وتالياً ضرورة الالتزام باتفاقية جديدة تضمن انتهاء العمل بالاتفاقية السابقة، والدخول في مفاوضات اتفاقية جديدة بحلول العام 2013.

وينظر إلى مؤتمر بالي وقراراته بوصفه انتهاء رسمياً للعمل بصيغة معاهدة كيوتو، الموقعة قبل عشر سنوات، والتي أثارت الكثير من النقاشات والتباينات، وصولاً إلى الخلاف حولها، وحول آليات تطبيقها. إذ تضمن قرار مؤتمر بالي جدول أعمال واضحاً للموضوعات الهامة الخاصة بتغيير المناخ، من ظواهر الجفاف والفيضانات، دوراً بالسبل الضرورية الكفيلة بالتقليل من حجم الانبعاثات الحرارية المسببة للاحتباس الحراري، والعمل على نشر التكنولوجيات الصديقة للبيئة على نطاق أوسع، وتحويل كل إجراءات التكييف والتخفيف من حدة الآثار المتعلقة بهذه الظاهرة. وإذ عبر العديد من المنظمات الدولية »الصديقة« للبيئة، أن اتفاق بالي غير كاف وضعيف من حيث مضمونه، فإن توافق 187 دولة على هذا الاتفاق يعطيه زخماً دولياً واسعاً، ويبدد إلى حد ما شبح الفشل الذي خيّم على الأيام الأولى للمؤتمر، وبخاصة بين الدول الصناعية المتطورة »أوربا.. إلخ« من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأخرى المعنية أساساً بانبعاث ظاهرة الاحتباس الحراري، وتبعاته الكونية، وبضمنها العديد من دول الاقتصادات الناشئة الهامة.

فقد عبر وزير شؤون البيئة الألماني «أحد أقوى الاقتصادات العالمية» شيجمار جابريل، عن رضاه بشأن نتائج مؤتمر بالي، حول ظاهرة تغيير المناخ. وقال: «إن ما تحقق أكثر بكثير مما كان متوقعاً، كذلك نتائج المفاوضات الشاقة، التي كانت ألمانيا والاتحاد الأوربي يأملون حصوله.. حماية المناخ أساساً من الدول الصناعية الكبرى، وبضمنها الولايات المتحدة الأمريكية».

ورغم اتهام الغالبية الساحقة من دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية بتعطيل الاتفاق على معاهدة أفضل لحماية البيئة، والمناخ الدولي، فإن مؤتمر بالي يعد خطوة متطورة بعد أكثر من 10 سنوات على توقيع معاهدة كيوتو.. والملاحظات السلبية حول العديد من نقاطها، كذلك المواقف الإلزامية الفعلية للعديد من الدول الصناعية الرئيسية المسببة لهذا التغيير المناخي التدريجي. إذ ضمن مؤتمر بالي تفويضاً كاملاً للتفاوض على مرحلة جديدة معززة عن برتوكول كيوتو السابق، وتالياً العمل على تطوير نواقصه تدريجياً، بما يضمن معالجة تبعات ظاهرة الاحتباس الحراري دولياً، وانعكاساتها »الجفاف، الفيضانات، الكوارث الطبيعية.. إلخ«، ودخول هذا الاتفاق حيّز التنفيذ بحلول عام 2013 »أي بعد الانتهاء من المرحلة الأولى لاتفاق كيوتو«، الذي أثار انقسامات اقتصادية- سياسية بين دوله. ورغم الخلافات حول كميات الانبعاث الحراري، ومسؤولية كل دولة على حدة عن هذا الاحتباس وتداعياته الوطنية والدولية، فإن العالم بدا منقسماً بيئياً، وليس أيديولوجياً أو فكرياً فقط حول طرق معالجة هذه الظاهرة الدولية وتبعاتها.

ففي الوقت الذي حاول فيه العديد من الدول التعويض عن كوارث ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال زيادة حجم المناطق المزروعة والمشجّرة، التي من شأنها التخفيف من انبعاث ثاني أوكسيد الكربون «وهي دول ذات أنظمة وتوجهات اقتصادية- اجتماعية مختلفة»، ينظر العديد من الدول الأخرى »المختلفة أيضاً اقتصادياً واجتماعياً»، وبخاصة النامية منها، إلى ضرورة الحفاظ على التوازن البيئي القائم، وتخفيف الاعتماد على الصناعات التي تسبب انبعاث هذه الغازات، وتنظر بعين الارتياب إلى سبل تعويض إنتاج الأوكسجين الطبيعي، والتقليل من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، مع إقرارها بضرورة التعويض، ما أمكنها ذلك، على حجم المساحات المزروعة، وبخاصة الغابات والمناطق المشجرة عالمياً، من جهة، وضرورة تحمل الدول الصناعية أساساً كلفة هذا التغيير البيئي من جهة أخرى، بوصفها المسؤولة أساساً عن هذا التغيير المناخي الدولي.

إذاً مؤتمر جديد في بالي الإندونيسية، يبتعد كما سابقاته «معاهدة كيوتو أساساً» عن المفاهيم والخلافات السياسية- الأيديولوجية لصالح ضرورة التوافق العالمي، وبخاصة الدول الصناعية الكبرى حول كيفية الحفاظ على البيئة العالمية – المناخية القائمة، والعمل على إنقاذ كوكبنا من الكوارث التي تسببها هذه الصناعات، وهذا النشاط البشري أيضاً. وهي مسألة، وإن بدت للوهلة الأولى غير طبقية، إلا أنها تحمل في طياتها تبعات المسؤولين الأساسيين «طبقات، فئات، رجال أعمال»، عن تخريب الطبيعة التي نعيشها من جهة، وكيفية معالجتها عالمياً من جهة ثانية، فضلاً عن أنها لم تعد منذ فترة طويلة تمثل مصير دولة ما، بل المنظومة العالمية عموماً. وهذا ما يدفع إلى ضرورة التوافق الدولي، الذي حاول مؤتمر بالي التوافق على أساسه، مع انتهاء العمل بمعاهدة كيوتو السابقة و«التباينات» الدولية تجاهها.

فالعالم أصبح قرية صغيرة تتأثر بتفاعلاتها وانعكاسات سلبيات تعامل البعض معها.

العدد 1105 - 01/5/2024