هجرة الشباب السوري اليوم

في السنين الماضية كان الضغط الأكبر على الشباب في سورية هو تأمين العمل، إذ كان قرار الهجرة يرتكز على نسبة حصولهم على الوظيفة عن طريق دراستهم أو وجود الدعم المطلوب للتوظيف في الحكومة أو الشركات الخاصة، وعند عدم حصولهم على الوظيفة، يبدأ التفكير بالهجرة والبحث عن عمل.. أما الفترة الماضية فقد كانت ربما الأقسى، فكرة الهجرة ليست جديدة، ولكنها هذه السنة وفي ظل الأزمة فرضت نفسها بقوة.

تقول ليليان (طالبة جامعية): كنت فيما مضى أفكر وأقلق على مستقبلي العلمي، دراستي واختصاصي، وأقلق: هل سأستطيع أن أصل إلى ما أطمح إليه؟ وأن أجد العمل الذي يحقق طموحي ويعطيني مدخولاً جيداً؟ أما اليوم، فهل سيكون هناك دوام في الجامعات؟…بات قلقي أني أريد العيش بسلام، وصلت إلى حد أن أبعد طموحي، ألا أذهب برصاصة طائشة تأتي من هنا أو هناك، أو انفجار ما أثناء الدوام في الجامعة. لذلك بدأت أطرق باب ما تبقى من السفارات في دمشق،علني هناك أتابع دراستي وتخصصي، وأعود عندما يصبح الوضع أفضل.

أما زينة (وهي أم لثلاثة أولاد) فتقول: خلال يومين أكون قد استقللت الطائرة عبر بيروت إلى (كندا)، لم يكن موضوع الهجرة في مخططاتي المستقبلية، بل كنت أدعو إلى عدم الهجرة، فأنا أحب العيش هنا. ولكن الوضع الأمني أصبح غير مقبول. فعندما أفكر بأطفالي لا أستطيع أن أحتمل، أن أبقى متوترة وخائفة كل يوم بينما يذهب أولادي إلى المدرسة ويعودون، هل سيتفجر باص المدرسة؟ هل سيكون هناك اشتباك قريب من المدارس؟ هذه الوساوس من الصعب علي التأقلم معها يومياً، لذلك، ومع أن القرار كان صعباً وقاسياً، إلا أنني قررت الرحيل ريثما تُفرج.

عامر (موظف سابق): أنا خريج محاسبة، عملت لصالح إحدى الشركات الخاصة لمدة 10 سنين، قبل بدء الأزمة، كانت الواسطة أساس كل شيء، ولا ضمان، فنحن غير مسجلين بالتأمينات الاجتماعية، ومن سجّل فبالتلاعب بأرقام الرواتب، والسبب طبعاً يعود إلى (الإكراميات) التي كانت تصرف لموظفي التأمين وغيره. وكنا راضين، وبعد الأزمة بدأ التسريح التعسفي، من 85 موظفاً بقي في الشركة 8 موظفين حالياً يعملون بنصف راتب! ومع أنني تقدمت لعدة مسابقات للعمل في الدولة ونجحت في بعضها، إلا أنه لم يتم اختياري؟! فماذا أرتجي بعد هنا؟ وكيف لا أطرق باب السفارات هنا وهناك وأنا شاب في مقتبل العمر؟ كيف ومن أين أعيش؟ أنا مجبر على السفر وليس لدي من خيار.

و لتحليل هذه الظاهرة توجهنا بالسؤال للدكتور عدنان عبود، أستاذ في كلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة دمشق: (عبارة وحيدة نستطيع بها الوصول إلى نتيجة هامة فيما يتعلق بالانعكاسات الاجتماعية الخطيرة للحالة السورية السوريالية الناجمة عن حالة القلق لدى الشباب،من المستقبل وتوجهه إلى خارج سورية، وهي حالة نكوصية تراجعية، مترافقة مع فقدان الأمل في المستقبل والخوف من المجهول وانسداد الأفق وفق المعطيات الجديدة على الساحة السورية، والقلق مما يمكن أن تؤول إليه الأحداث في سورية. فمن الطبيعي أن يتوجه الشباب للبحث عن تحقيق الذات في أماكن ودول يمكن أن توفر العمل والأمن معاً. ويساهم في هذا التوجه إلى الهجرة،مخاوفهم المشروعة من الوضع الاقتصادي المتردي للبلاد مع انعدام الثقة بإمكانية إيجاد حل قريب للأزمة السورية.

من هنا تبدأ مهمة النخبة في العمل على نشر حالة من الوعي الجماعي للتنبيه إلى خطورة هذا التحول الكمي والنوعي في بنية العقل الشبابي الناجم عن الظروف التي تمر بها البلاد. حالة الهجرة قد تتحول من حالات فردية إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة، يصعب اجتثاثها، من خلال هجرة خِيرة شبابنا وتشتتهم في بلاد الله الواسعة وأقصى بقاع العالم. ويبقى الوعي والتنبه المبكر لخطورة الأمر،حاجة ماسة لمنع تحول بعض الحالات الفردية إلى ظاهرة قد تشكل عبئاً مجتمعياً خطيراً، وقد تتسبب في تشوه كامل في بنية الثقافة الشبابية لدى هذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع وخلق حالة من عدم التوازن المجتمعي مع محاولات الكثير من الشباب الواعي، المتعلم والمثقف للهروب خارج البلاد والبحث عن مستقبل أكثر أمناً وعطاء).ويبقى السؤال:، هل الوطن (فندق) نغادره عندما تسوء فيه الخدمة؟ أيصعب علينا تحمّل صعوبة الظروف القائمة؟ أم أن الروح أغلى من أي شيء؟ ومع ذلك يبقى هناك الكثير من الشباب لا يزالون يحملون أملاً بأن هذه الأزمة سوف تمر، مع الكثير من الصبر والوعي.

العدد 1104 - 24/4/2024