في هجرة الروح عن الجسد.. وقصة تجّار الحلم

ربما كانت أبواب السفارات أكثر الأماكن ارتياداً هذه الأيام، تلك الأبواب تطرقها اليوم الأيدي الشابة التي باتت ترى العالم البعيد المجهول -نوعاً ما – أكثر أمناً وأماناً على مستقبلهم الذي بات قاب قوسين أو أدنى،  هذا المستقبل الذي توشك قيود النزاعات والواقع المظلم أن تزيد من شدّة الإحكام عليه وتزيد من الخناق لتبدو الهجرة  المخرج الوحيد، ولتبدأ مواجع أخرى ما بين الروح والجسد ويزداد الشرخ بينهما، كل في مكان، ذاك في الوطن وهذا في البلد الآخر الذي قُبِل فيه..

هذه القصة العتيقة المتجددة لدى الإنسان في كل أزمة تصيب وطنه، تعاود الرجوع إليه ليتساءل: هل هذا هو الحل؟ هل هذا يعني التخاذل والتواطؤ مع الظروف المساعدة على تدمير ما تبقى من الوطن والمجتمع؟ هل يعني هذا تركه وحيداً ينازع ما تبقى منه دون أجساد من عشقوه وعاشوا فيه وتكوّنوا من خلاله، بل هم جزء من كينونته وتكوينه؟ هل يعني هذا انهزاماً من المواجهة والمحاولة والمسؤولية؟ هي أسئلة كثيرة تتردد في أذهان الشباب-ات والأسر الذين حلموا بوطن أفضل وعملوا عليه، لكنهم في لحظة ما قرروا الرحيل.

وهكذا تبدأ قصة ثانية لحكايا حقيقية يعيشها طلاب الهجرة، بدءاً من الهجرة عبر مكاتب نظامية، يظهر فيها من يستغل الوضع القائم من تجّار الحلم، وسماسرة الحروب والنزاعات، يعملون على ابتزاز الراغبين في الهجرة واقتصاص المزيد من المبالغ المالية. وتبدو بوضوح خيارات اللاعودة، فيبيعون ما فوقهم وما تحتهم لأجل النجاة بأنفسهم وبأسرهم من مستقبل غائم،  وتظهر أيضاً أنواع الهجرة غير الشرعية التي تحفل  بالاحتيال والغش والتزوير، والتي هي الآن في تزايد واضح. فهذا الذي اقتيد من مطار دولة عربية لأنه يهاجر بفيزا مزورة، وذاك اقتيد لأن إقاماته المذيلة بأختام وتواقيع مكاتب وهمية لم يستطع اكتشافها. فالوعود البراقة والإعلانات المضيئة والعناوين الواضحة لا تفسح مجالاً لأي شك، فأين هم من تجّارٍ امتهنوا هذه الصنعة في استغلال الظروف الصعبة؟ كل هذا عدا الذين تصل بهم أيدي القدر الأسود إلى تجار الدم، غير الآبهين إلا بالقروش، لنسمع بقصص الموت لأطفال وعائلات بأكملها غرقاً أو توهاناً…الهجرة تلك المعادلة الصعبة وهذا الخيار القاسي أكثر من يعيشه هم الشباب الخائف الحائر الباحث عن حياة أفضل في مكان بعيد عن روحه وجذره…

إلى متى ستبقى الهجرة تلاحقنا ؟ سؤال برسم تاريخ منطقة لم تعش مرحلة استقرار إلى يومنا هذا.

العدد 1104 - 24/4/2024