هل الخوف من المجهول يحدث قلقاً من المستقبل؟

يتوق الشباب إلى الهوية، ويريد أن يملأ الشواغر المناسبة، يريد انتماءً وأن يعمل فيحدث فروقاً، لا يريد أن يعيش على الهامش، بل أن يكون لحياته معنىً، شبابنا اليوم هم المستقبل، ومن أجلهم و لأجل ضمان مستقبل الوطن، يجب بذل الكثير لرعايتهم. من هنا نرى ضرورة إعطاء أهمية بالغة لحالات القلق التي يعانيها شبابنا المتعطش إلى الحرية والإبداع.

يرى الفيلسوف بيرلز  أنهُ من الطبيعي أن يصبح الفرد قلقاً إذا كان عليهِ أن يتعلم بطريقة جديدة، فالقلق هو الهوة التي توجد بين (الآن وغداً). فإذا كنت في الآن فلا يمكن أن تكون قلقاً إلا إذا انشغلت بالمستقبل، فكلما ابتعدت عن ركيزة الحاضر المؤكد بأمنه وانشغلت بالمستقبل خبرت وتعايشت مع القلق.

ومن خلال الاطلاع على دراسة (ريتشارد جيمس – 1975) تتبين فاعلية الإرشاد والعلاج العقلاني الانفعالي السلوكي في خفض مستوى القلق عند الطلبة وعلاج الأفكار اللاعقلانية لديهم بدرجة كبيرة. إضافة إلى فاعليته في تحديد اتجاهات الطلبة ونظام معتقداتهم، وخفض مستوى القلق لديهم بدرجة ملحوظة.

كذلك هناك دراسات متعددة اهتمت بحالات خفض القلق، مثل دراسة بيرس ثايلر ((1983)، ودوبليت (1984).

 

ما هي الإشارات التي تدل على حالة قلق المستقبل؟

وأمام هذه التحديات الكبيرة أوضح (د.عيد بن شريدة العنزي) أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد بكلية الملك فهد الأمنية: أن الخوف من المستقبل لدى فئة الشباب من الجنسين أمر طبيعي يحدث نتيجة لما يسمى (الخوف من المجهول). أي أن حالة القلق التي يمر بها كل فرد في حياته تعدّ طبيعية، لأننا نتعرض لكثير من المواقف التي تعني لنا إما النجاح أو الفشل، ناهيكَ بأن هناك عدة تناقضات في مجتمعنا تقودنا إلى هذا الخوف سواء أكانت اجتماعية أم نفسية أم اقتصادية، لها بالغ الأثر على شخصيات الأفراد. وبالتالي يحدث لدى الإنسان صراع داخلي من أجل تحقيق الذات، فيبذل قصارى جهده للحصول على درجات عالية تخولهُ الحصول على وظيفة جيدة ليعيش بأمان. إلا أنهُ يصطدم بالواقع، وهو الصراع الخارجي مع المؤسسات المختلفة في المجتمع، وهنا يحدث لدى الشباب ردات فعل مختلفة حسب المكانة الاجتماعية التي ينتمون إليها حيثُ يطمئن الفرد على مستقبلهِ، إن كان لديه مسؤول يستطيع الأخذ بيده حتى ولو لم يكن يستحق، والعكس تماماً للشخص المجتهد الذي لا يجد من يأخذ بيدهِ، فيكون مصيره التسكع في الطرقات أو اختراق الأنظمة، في ردة فعل عكسية لما يواجهه من مواقف محبطة.

ماذا لو رسبتُ في هذا الامتحان؟ سوف ينتهي مستقبلي قبل أن يبدأ، وأنا أشعر بالمرض بمجرد التفكير بأني لا أستطيع الدراسة، ولكن يجب أن أدرس وإلا..، لمْ أسمع عن فلان منذ مدة، ماذا لو حصل لهُ شيء؟ ماذا لو كان قد حصل له مكروه؟ ماذا لو..، ماذا لو..، لن أستطيع أن ألقي الكلمة أو المحاضرة غداً، لأني سوف أكون متوتراً، سوف أنسى ما حفظت.. أستطيع أن أتخيل ذلك..، وكل هذه العيون تحدِّق بي..، وكلهم يعلمون كم أنا متوتر وغير ملائم، هذا العمل مناسب تماماً للأشخاص الذين يحملون مؤهلاتي.. يجب أن أسعى في العمل.. ولكن قد أخفق في أداء هذا العمل وأجعل من نفسي أضحوكة..، لا أستطيع تخيل نفسي وأنا أخفق في المقابلة الشخصية.. سوف تكون مخيفة ومذلة، قد أعاني نوبة هلع، لكن لا أستطيع احتمال المزيد إنها لتجربة مرعبة.

إن تمكين الخبرات المكتسبة عند الفرد ويعزز الثقة بالذات، وبالتالي يخفف من التوتر حيال المستقبل.

الشباب هم صناع المستقبل، لكنهم حين ينخرطون في دوامة الحياة، يحتاجون إلى دورات تأهيلية لتنمية خبراتهم وزيادة الدافعية لديهم، مع تعلم كيفية التأقلم مع القلق الطبيعي حيال المستقبل. فيجب العمل على مبدأ تكافؤ الفرص لكي يتحقق لهم الأمن النفسي، مما يدفع المجتمع إلى التطور والازدهار، وحينئذ لا يهابُ الشبابُ تحديات اليوم من أجل بناء المستقبل.

العدد 1104 - 24/4/2024