بعد لقاء دبلن… الدبلوماسية الروسية أمام تحدٍّ جديد حول سورية

استقبلت دبلن منذ عدة أيام لقاءً جمع بين وزيري الخارجية الروسي سيرغيه لافروف والأمريكية هيلاري كلنتون بحضور المبعوث الدولي لحل الأزمة السورية الأخضر الإبراهيمي، وعلى الطاولة موضوع واحد وحيد بحثه المجتمعون: الأزمة السورية وضرورة التوافق الروسي-الأمريكي للتوصل إلى حل لها يمر عبر مجلس الأمن وعلى أساس مقررات جنيف.

بعض المصادر أشارت إلى أن الإبراهيمي حاول منذ أكثر من شهر إقناع الوزيرين الروسي والأمريكية تعقد مثل هذا اللقاء، إلا أن مساعيه لم تكلل بالنجاح إلا الآن. وها هي ذي الدبلوماسية الروسية والأمريكية تجري مشاورات للتوصل إلى صيغة توافقية ينتظرها الجميع بفارغ الصبر.

جدير بالذكر أن خلافات جوهرية برزت بين الموقفين الروسي والأمريكي بعد مؤتمر جنيف، تحديداً في قراءة وتفسير كل طرف لما جاء في خطوات حل الأزمة السورية وفق ما اتفقت الأطراف المجتمعة حينذاك في جنيف. ونقطة الخلاف الرئيسية كانت حول تفسير الغرب لعبارة مرحلة انتقالية، إذ رأت روسيا أن العبارة تعني الوقف الفوري لإطلاق النار من جميع الجهات، وتعيين كل طرف لمفاوضين عنه لبدء الحوار الوطني الذي يتم خلاله تحديد معالم سورية ومعالم المحلة الانتقالية. وعلى طاولة الحوار السوري وحدها يتقرر مصير الرئيس السوري، وأكدت روسيا أن هذا شأن سوري داخلي يتوجب على السوريين أنفسهم اتخاذ القرار بشأنه. أما الولايات المتحدة فقد قرأت في العبارة أنها تعني تنحي الرئيس السوري ومن ثم تشكيل حكومة للمرحلة الانتقالية. وهنا رأت روسيا أن مثل هذا الموقف يشكل خرقاً فاضحاً للقوانين الدولية التي تحظر التدخل بشؤون الدول الأخرى، واعتبرته إملاءات أمريكية ستؤدي إلى تعميق الأزمة لا إلى حلها.

ووفق التصريحات الأمريكية والروسية بعد لقاء دبلن هناك ما يدفع إلى الاعتقاد بأن موسكو وواشنطن توصلتا، ربما، إلى نقاط مشتركة للانطلاق منها نحو البحث في تفاصيل الحل بالاستناد إلى مقررات جنيف. ويرى البعض أن استمرار المشاورات الأمريكية-الروسية على مستوى نواب وزراء الخارجية وبحضور الإبراهيمي في جنيف، بعد اللقاء الوزاري في دبلن، هو واحد من أهم المؤشرات التي تدل على أن روسيا تمكنت إلى حد ما من إقناع الولايات المتحدة بضرورة تعديل موقفها من آليات حل الأزمة السورية.

وعلى الرغم من حالة تفاؤل غير مسبوقة هذه المرة بإمكان التوصل إلى صيغة ترضي الجميع ويتبناها مجلس الأمن لحل الأزمة السورية بعد التوافق الأمريكي-الروسي في المحادثات التي يشارك فيها الإبراهيمي، يعبر البعض عن قلقه من فشل تلك المحادثات، لاسيما في ظل التصعيد العسكري من جانب الولايات المتحدة بعد الضجيج الذي أخذت تثيره الإدارة الأمريكية حول قضية استخدام الأسلحة الكيميائية. إذ يرى البعض أن مشاركة الجانب الأمريكي في المحادثات ليست سوى غطاء لعملية عسكرية قد تشنها الولايات المتحدة ضد سورية. وهي، أي الولايات المتحدة، قد تُفشل المحادثات لتقول بأن كل محاولات إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية باءت بالفشل، وربما تصعِّد بالتزامن مع هذا حديثها عن السلاح الكيميائي لتخلق مسوغات تدخلها العسكري في الشأن السوري بصورة مباشرة هذه المرة.

من جانب آخر يرى محللون أن الولايات المتحدة قد لا ترغب في إنجاح المشاورات الجارية حالياً، لأن نتائجها ستخدم الموقف الروسي وتُظهر أحقيته لجهة التمسك بالقانون الدولي أساساً للتعامل مع الأزمات، ما يعني تعزيز موقف روسيا دولياً، وإقليمياً. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال وللتذكير، ما زالت تعرقل جهود الرباعية لأنها لا تريد لأي طرف آخر أن يتحول إلى طرف مؤثر وصاحب نفوذ في منطقة الشرق الأوسط، وتعمل على التفرد بالوساطة في التسوية بين العرب وإسرائيل. وسبق أن أفشلت الولايات المتحدة مساعي روسية لعقد مؤتمر تسوية دولي في موسكو. وكل هذا لأنها ترفض قبول أي خطوة تؤدي إلى دخول شريك دولي آخر على خط النفوذ والهيمنة على الوضع في الشرق الأوسط. ومن هنا قد تضع واشنطن عراقيل معينة أمام التوصل إلى تفاهم مع روسيا حول الأزمة السورية. والسبب دائماً خشيتها من تعزيز روسيا لمكانتها إقليمياً ودولياً.

على خلفية كل هذه المعطيات تبدو روسيا أمام تحدّ جديد تقف فيه وجهاً لوجه مع الولايات المتحدة، ودبلوماسيتها معنية باتخاذ الخطوات الضرورية التي تُسقط أي خيار آخر قد تلجأ إليه الولايات المتحدة والإبقاء على خيار وحيد: التوافق الأمريكي-الروسي على صيغة لحل الأزمة السورية بناءً على ما جاء في وثيقة جنيف. ونجاح الدبلوماسية الروسية في مساعيها لن يعني إنقاذاً لسورية فحسب، بل وسيسجله التاريخ كأكبر نجاح دبلوماسي حققته دولة في التاريخ الحديث، ذلك أن إيجاد حل للأزمة السورية بكل تعقيداتها ليس بالأمر السهل، ولا شك في أن تحقيق روسيا لهذا الهدف لن يكون مجرد أمر عابر، بل حدث تاريخي بكل المعايير.

العدد 1105 - 01/5/2024