كتابي.. الخِلّ الوفي!

منذ قديم الزمان حتى عصرنا هذا، نشأت علاقة ودية بين القارئ والكتاب تشبه العلاقة الحميمة بين الأم وفلذة كبدها، من حب وحنين واشتياق يكسر جليد صفحات الإنترنت المعاصرة الشبيهة بعلاقة المربية لأي طفل.. لا ألذ و لا أشهى من تذوق الفاكهة الطبيعية، حتى لو كانت في فصل محدد فقط، على أن نتناول شبيهاتها في أي موسم مهرمنة مسمنة  بالأمراض المسرطنة..

 وعلى الرغم من كل أنواع التطور والحداثة من راديو وتلفاز وإنترنت، فإن لقراءة الكتاب نكهة خاصة مختلفة تماماً عن كل أنواع التطور والحداثة. فنحن نستطيع أن نجد هذا الصديق الدائم مع كل إشراقة شمس وكل رومانسية قمر، بينما التلفاز  والإنترنت لا نستطيع التواصل بها عند انقطاع الكهرباء والشبكة. ومن المؤكد أن صديقي القارئ يشاركني الحميمية ذاتها عند قراءة الكتاب على ضوء الشموع بعيداً عن ضجة السرعة والعولمة وزمن الخوف.. بعيداً.. بعيداً..على همسات مطر الشتاء التي تداعب شعوري حنيناً حينما أجلس على مقعدي الخشبي بالقرب من موقدي الحطبي سارقة نفسي من الواقع لأحلق مسافرة في الخيال والجمال..

 ويسعدني جداً أن صديقي الكتاب من أروع الأصدقاء، فمهما تراكمت الأيام والشهور والسنون وأهملنا ذلك الصديق أو حتى أخطأنا في حقه يبقى وفياً لنا. فعندما نعود إليه بعد الفراق الطويل نجد الابتسامة نفسها، ولانرى في وجهه ملامح العتب واللوم بل يزيد الحنين حنيناً، يعانقني قليلاً ويأخذني بين طياته إلى عالمي وذكرياتي مبحرة فيها وأنا سكرى اشتياقاً لأيامنا..اشتياقاً لماعشناه أنا وصديقي (الكتاب) إلى كل دمعة وابتسامة. وصديقي كعادته يبقى مبتسماً محتملاً إهمالي وجنوني، محتملاً فرحي وأنيني، ويزيد العناق حتى أكاد لا أريد أن ينتهي إبحاري، أريد الغوص في الثواني في أجزاء الثواني.. فما أسعدني عندما تلتف حولي كل الذكريات، أنا، نعم، أنا وصديقي وحدنا عشناها بحزنها وفرحها و…

العدد 1104 - 24/4/2024