الشباب يبحث عن ذاته ثائراً

استشعر العالم أهمية الشباب والطلبة بعد حركات الطلاب في فرنسا عام ،1968 التي امتدت لتشمل معظم الدول الأوربية، وأحدثت تغييرات فكرية وهيكلية كبيرة في المجتمع الرأسمالي، جعلته يعيد النظر في الكثير من مفاهيمه وقيمه ويعمل على إعادة صياغتها.

فمرحلة الشباب من أهم مراحل حياة الإنسان، خلالها يكتسب مهاراته الإنسانية البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية اللازمة لتدبير شؤون حياته، وتنظيم علاقته بالآخرين.

و الحديث عن الشباب لا يزال من أسس البناء لمشاريع التغيير، ومن مكونات مشاريع النهضة وحركات التحرر الوطنية، ومن هذا المنطلق فإن تناول موضوع الشباب والتغيير يعد مسألة تتعلق بالتخطيط الاستراتيجي كما تتعلق ببناء الخطط التنفيذية لعمليات التغيير.

لكن الشباب العربي يعيش صراعاً بين ثوابته وقيمه، وبين موجة تغيير الآلية التي تغمر العصر، فيضطر إلى دفع ثمن مخاض الحضارة حيرة وتشتتاً. فلا تزال الحكومات العربية في غالبيتها تقيد في توجهاتها السياسية حريات الشباب.. ويفرض الجيل القديم وصايته عليهم، بدعوى أنهم أصحاب خبرات وأصحاب أيدٍ بيضاء في بناء الوطن.. متذرعين بعدم امتلاك الشباب الحالي الخبرة اللازمة لعملية التنمية الشاملة، وكل القوانين مكرسة لكبح رغباتهم في إصلاح صدأ هذا العالم، وكل الأنظمة تحاول إنشاء جيل صابر على المحن أو مغيّب عن واقعه، كما يرى كثير من شبابنا.

(لذا نجد أنهم يضطرون لأن يعوضوا خواء حياتهم اليومية وضحالتها بالهروب من مسؤولياتهم، ليتحولوا إلى مهرجين يقضون جل أوقاتهم بالاهتمام بالجنون الذي يبتكرونه). كما يقول أحد خبراء علم النفس.

لكن الذي حدث ما كان بالحسبان، إنها الثورة وإنهم الشباب، الذين قال عنهم ميخائيل نعيمة: الشباب (ثروة وثورة).

وفي الواقع الذي يعيشونه بعيداً عن السياسة والمشاركة، هل هم قادرون على فهم الثورة وقبولها والعمل عليها بأسس واضحة؟

آراء مختلفة لعدد من الشبان حول مفهومهم للثورة، حاولنا رصدها من خلال اللقاءات التالية:

 يقول ماهر الخوري (33عاماً)، العامل في إحدى المؤسسات الاجتماعية: (خُلق الشباب للتغيير، للشغف الدائم لصنع أي شيء حسب أهوائنا الخاصة. ساعين لكسر العادات والتقاليد السائدة التي نشأنا عليها. وبما أننا العنصر الفاعل في المجتمع الذي يملك إمكانية التغيير، فلن ننتظر أو نتوقع التغيير مع الكبار بالعمر لاعتقادهم  أنهم حققوا ما فيه الكفاية، لكن الخطورة تكمن عندما يكون العمل عشوائياً).

وأما ناصيف (22عاماً) فقال: (إننا نحاول أن نسعى لكل ما هو جديد، بحسب الحياة العصرية التي تفرض نفسها بقوّة. وأنا أنظر إلى الثورة على أنها طريقة لإثبات الذات والتفوق، وطريقة لتحسين الحياة بما يتناسب مع التطور وتؤدي لتنمية المجتمع. ومن ناحية أخرى تعطينا الثورة دفعاً معنوياً لمواصلة الحياة وفق طريقتنا. وكما تقول هيلين كيلر: لا يمكن للحضارة أن تتراجع بينما يوجد شباب في العالم.. قد يكون الشباب عنيداً لكنه سيتقدم بها). ويرجع ناصيف سعيه لتغيير محيطه إلى حقه في الحرية والحياة، مردداً مقولة تشومسكي: (إذا لم نكن نؤمن بحرية التعبير لمن نحتقرهم، فنحن لا نؤمن بها على الإطلاق).

وبالنسبة لأحمد فالموضوع مغاير، فأهم ما يدعو الشبابَ للثورة هو الوضع الاقتصادي المتردي وعدم وجود فرص عمل  تؤمّن حياة كريمة.

وعن تأثير الحرية على الشباب قال أحد المدرسين في قسم علم الاجتماع بجامعة دمشق: (للحرية تأثير سحري على عقل الإنسان، وتعمل كمحفز لإطلاق مهارات الشباب وقدراته الإبداعية. ولكنها يجب أن تنبع في الأصل من الأسرة عن طريق منح الأهل الحرية لأطفالهم وعدم قمعهم، حتى ينشأ جيل واثق بنفسه وقدراته، ولا يسمح لأحد بقمعه مستقبلاً سواء على المستوى المهني أم على المستوى السياسي.. فلا بد من إعطاء الشباب قدراً من الثقة والحرية، فقد أظهرت التجارب الإنسانية القديمة والحديثة أن كل جيل قادر على فرز قياداته وكفاءاته).

وفيما يتعلق بعامل الأمن قال: (عندما ينشأ الشباب في عالم يفتقر إلى الأمن يضطره ذلك إلى الاستسلام، مما يقتل روح المبادرة والعمل لديه، ويشعر بانعدام الثقة والأمن معاً، كما يشعر بانهيار أحلامه لأنه غير قادر على التنظيم والتخطيط. ولم ينشأ في وسط واع ولا يستطيع السيطرة على المصير. عندئذ يخسر الكثير من الشباب وقتهم غير المثمر باللعب أو الهرج والمرح والتسلية، لأنه لا يملك الدافع المعنوي والمادي لتأهيل نفسه وتوظيف إمكاناته الدراسية لصقلها بالعمل. فهو يواجه الصدمة أول الأمر بعاطفته القوية وسط أقرانه ومن ثم سعيه الحثيث نحو العلم والمعرفة. وهذا الفراغ والانسياق وراء العاطفة يعزز التوجه نحو إشباع رغباته ويبحث عمّا يحرك أحاسيسه ويستجيب لشهواته).

ودعا مدرس علم الاجتماع إلى ضرورة أن يمارس الشباب دوراً أساسياً في صنع القرار في المجتمع، وضرورة تمكينهم بالعلم والثقافة والمعرفة ليكونوا مصدراً للتغيير الذي يقود إلى التحرر، ويفتح آفاق التنمية أمام مجتمعنا.

وعن دور الشباب في التغيير المجتمعي قال المحامي حسام زخور: (عندما نتكلم عن دور الشباب في التغيير المجتمعي يجب أن ننظر مسبقاً إلى نوع هذا المجتمع، هل هو مجتمع منغلق لا يعترف بدور الشباب، أم أنه منفتح يتيح لهم أن يأخذوا دورهم الفاعل في تشكيل ملامح الحاضر واستشراف المستقبل؟ فالمجتمع الذي يغلق الأبواب في وجه الشباب ويحد من مشاركتهم في صنع القرار يحكم على نفسه بالجمود والركود والتخلف. والمجتمع لا يكون قوياً إلا بشبابه، والأوطان لا تبنى إلا بسواعد شبابها، وذلك عندما يكون العنصر البشري معداً إعداداً سليماً واعياً مسلحاً بالعلم والإيمان والانتماء إلى الوطن. عندئذ سوف يصبح أكثر قدرة على مواجهة تحديات العصر وأكثر استعداداً للمستقبل. ولذلك فإن جميع الأمم والشعوب تراهن دوماً في تحقيق التنمية الوطنية الشاملة على الشباب، لأنهم العنصر الرئيسي في تجسيد الديمقراطية والحوار والبعد عن التطرف وإتقان لغة الحوار، وثقافة الاعتدال والتسامح واحترام الرأي والرأي الأخر والتعايش، جميعها تصب في تحقيق التقدم والتطور والبناء الاجتماعي العام).

في الختام، لابد من تأكيد حقيقة مفادها أن الشباب السوري، أو أغلبيته، يعيش اليوم حالة الرغبة والاستعداد العاطفي للثورة دون أن يكون بإمكانهم التفكير في التخلص من العوائق الفكرية والنفسية. ولكن هل يمكن تحقيق ثورة للشباب في سورية بين الرغبة والخوف..؟ ما زلنا نحتاج إلى تحول اجتماعي وسياسي لخلق أرضية مناسبة للبناء وزرع بذرة التغيير السلمي، ولملمة الشرخ الاجتماعي لإعادة رسم صورة سورية من جديد.

العدد 1104 - 24/4/2024