المدينة الجامعية… استقرار أم قلق لطلابنا؟

تميل فئة من شبابنا اليوم إلى الانسجام والسعي لعيش حياة ترف بشكل ما، فمنهم من يصل إلى البذخ والإسراف دون تحمل مسؤولية اقتصادية، وقليل منهم من يتجه إلى الترفيه المخطط له بعد جهد وتعب، وتبقى فئة من الشباب الساعي إلى تأمين متطلبات معيشته كي يستمر ويحقق طموحاته. ومثال هؤلاء غالبية الطلاب الجامعيين الذين عملوا جاهدين كي يصلوا إلى عالم الجامعة، معتبرين أنها المرحلة الأفضل من جميع النواحي لحصد العلم والثقافة والتعرف على ثقافات أخرى وتحقيق استقلالية ما عن الأهل. ولكن الطالب يواجه العديد من التحديات والعوائق في هذا العالم، وأهم ما يمكن ذكره هو السكن الجامعي، المكان الذي يقصده أغلب طلاب الجامعة ليقطنوا فيه خلال فترة الدراسة. ولهذا المكان التأثير الأكبر، فإذا كان جيداً كان إنتاج الطالب دراسياً أفضل، والعكس صحيح. وهذا ما لفت الانتباه عند زيارة إحدى الوحدات السكنية في دمشق، في نهاية العام الدراسي 2011-،2012 لاحظنا العديد من المظاهر التي دعت إلى توجيه أسئلة للطالبات اللواتي يقطنَّ في هذه الوحدة حول وضع السكن وكيف هي الخدمات، فقمنا بزيارة 30 غرفة من الوحدة تقريباً وكانت الأجوبة مهمة جداً.

تقول منال: (أنا طالبة تربية وعلم نفس سنة رابعة، كنت أقطن في وحدة سكنية أخرى، وكان الوضع جيداً هناك. ولكني لا أعرف سبب نقل طالبات قسمنا الذي يحتاج إلى دراسة مكثفة ووضع مريح نوعاً ما إلى وحدة سكنية كهذه، لا أستطيع لمس جدران ممراتها بسبب اتساخ الجدران إلى هذا الحد، والوحدة بحاجة إلى الكثير من الإصلاحات لتصبح جاهزة لسكن الطالب الجامعي).

أما الطالبة لجين فقالت: (لم أتوقع أن أرى فأراً في غرفتي الخاصة، وقد صادفت ذلك في المدينة الجامعية، أكثر من مرّة. و طلبنا من الحارس إخراجه فلم يقبل، إذ أخبرني أنه يحتاج إلى إذن للقيام بذلك. وقد لاحظت مرتين جرذاناً على مسافة قصيرة من الوحدة من نافذة الغرفة، وخشيت دائماً بيني وبين نفسي من أن تقترب من الغرفة لأني أقطن في الطابق الأول). وبعد طرح هذه القضية على الطالبات وجدنا أن أكثر من 15 غرفة في مختلف الطوابق عانت المشكلة نفسها.

وأخبرتنا الطالبة منى عن مشكلة أخرى فقالت: (لم يتوفر الغاز في المدينة هذا العام بشكل جيد، واضطررنا إلى استخدام السخانات، وبعد توفّر الغاز دخلت طالبات الاتحاد إلى الغرف لتأخذ السخانات بصورة غير حضارية أبداً، مع كلمات توبيخ لنا، وأخبرنا أن السخانات ممنوعة، فالقوانين المتعلقة بهذه النقطة تصدر دون إعلام الطلاب بها والإعلان عنها، ويطلبون منا الالتزام بقوانينهم غير المعروفة ؟! كما أن الكهرباء كانت تفصل غالباً عن الغرف، وأحياناً ليلاً في شهر الامتحان).

والطالبة نور قالت: (لقد درست في حلب قبل قدومي إلى هنا، ولاحظت فرقاً كبيراً مع أني لم أكن أسكن في الوحدات الجيدة جداً في حلب. فالغرف في حلب لم تكن بحاجة إلى هذا الكم من التصليحات عند استلامها، ولكني دخلت إلى غرفتي في دمشق ولم أجد أي مأخذ كهربائي، ولا رفوفاً للكتب. وكانت الخزانة بوضع سيئ، ووجدت سريرين فقط، ومن ثم بقينا أكثر من أسبوعين نطالب (بكهربجي) حتى تحقق ذلك. وسجلت أكثر من 20 طلباً كي يأتي النجار إلى الغرفة، حتى إني وجدته مصادفة في بهو الوحدة ووعدني بالقدوم لإصلاح الخزانة، ولكنه لم يأت. فقمت بتجميع قطع خشبية وشراء مسامير وأوراق ملونة، واستخدمت حجراً حتى استطعت أن أجعل الخزانة صالحة للاستخدام).

 هيفاء طالبة من القامشلي قالت: (أنا من منطقة بعيدة جداً، وأضطر للبقاء هنا شهوراً عديدة أحياناً، وبخاصة حالياً في ظل الأزمة وانقطاع الطرقات والخوف والتوتر من السفر. وعندي مشكلة كبيرة وهي انقطاع المياه الساخنة، مع برودة الجو وانقطاع الغاز وغلائه ومنع السخانات).

رنا طالبة تربية حديثة أخبرتنا: (لمدة شهرين تقريباً والطالبات يعبئن المياه في عبوات شفافة فيجدنها بعد أقل من ربع ساعة صفراء، وأغلب الفتيات اللواتي تتوفر لديهن القدرة المادية أصبحن يشترين الماء للشرب، إضافة إلى أن العدد في الغرفة الواحدة كبير جداً، وهذا يسبب مشكلة كبيرة في المساحة والانسجام بين الطالبات). وقد اشتكت معظم الطالبات من هذه المشكلة أيضاً.

وذكرت الطالبات بعض الصفات الجيدة، وخاصة في شهر الامتحان الأخير، إذ عادت مياه الشرب للونها المعتاد، وأصبح العمال يلبّون فور طلبهم أو في اليوم التالي.

وفي اللقاء مع مدير المدينة بطريقة غير مباشرة، فقد كنا مع الطالبات عندما ضججن وطلبن رؤيته عند انقطاع المياه. أجمعت جميع الطالبات على شكوى واحدة: وهي سبب نقلهن إلى وحدات غير مهيأة للسكن كهذه،  وتساءلن عن سبب إهمال الجهات المختصة لها. فوعد بالإصلاح الفوري وطلب من الطالبات الهدوء، وأن كل ما يطلبنه ضمن المنطق سيتحقق، وأجريت بعض الإصلاحات وبعد هذه الحادثة قام بعدة زيارات للوحدة والوقوف في البهو وتقبل أسئلة الطالبات .

ما يعني وجوب وضرورة أن يتقدم الطلاب-ات بالشكوى، فربما يجدون أذناً مصغية بدلاً من النق فقط. لأنه من حق الطالب أن يعيش في أماكن دراسية مريحة كي لا يتأثّر سلبياً.

تقول المرشدة النفسية إيمان الحرك حول تأثير النقاط السلبية على نفسية الطالب الجامعي:

(إن موضوع النظافة موضوع غاية في الأهمية، وفقدانه يؤدي إلى قلق الطلاب واضطرابهم، ويؤثر عند بعضهم على النوم فيصبح غير منتظم، وبالتالي يؤدي إلى توتر وضغط نفسي. ولا شك في أن لذلك تأثيره على الإنتاج الدراسي. وإن العيش في بيئة غير نظيفة ورؤية مظاهرها كاتساخ جدران المبنى والحمامات غير الجيدة أحياناً والاضطرار لشرب المياه المتوفرة الصفراء يولد عند البعض شعوراً وهمياً دائماً بدنو المرض والوهن. كما أن للروائح غير الزكية تأثيرها الكبير في زيادة التوتر، كما هو الحال أيضاً بالنسبة للضجيج. وإن عدم توفر الخدمات ونقصها يبقي الطالب بقلق دائم تجاه توفيرها بهدف الاستقرار.إن كل ما ذكر من مظاهر ينتج شخصية قلقة ومتوترة تفتقد الهدوء والاستقرار، وهذا له تأثيره المباشر على التحصيل العلمي، وعلى المعدلات الدراسية أيضاً).

 إلى أية درجة يمكن أن يطور مدير المدينة الجامعية هذا الوضع التي تعانيه بعض الوحدات السكنية الطلابية؟! ومن المسؤول عما آلت إليه؟ وهل ستتكرر المعاناة مع بداية العام الدراسي الجديد2012-2013؟

العدد 1104 - 24/4/2024