ما بين الصداقة والحب

هوَ صديقٌ مُعجبٌ بأقوالها، وحديثها، ومرحها، وضحكتها، وحبها للحياة. يحبُّ محادثتَها، يتشوّق لكلماتها ومعرفة أفكارها، يقحم نفسه ليشاركها همومَها ومشاكلِها، يناقشهُا بكلِّ أمورهَا، يساعِدهَا على حلِّ مشاكلها، يقفُ إلى جانبهِا ويواسيهِا ويطيّبُ خاطِرهَا، يكونُ لها أخاً وصديقاً ووفيّاً وأملاً، يحفظُ تفاصيلَ حياتها، يعيشُ همومَها، يفكّرُ بأمورِها، يسمعُ أوجاعَها، ويساعدها…. يخترقُ أبوابَها، يتجاوزُ حدودَها، يعيشُ أحلامَها، يفكّرُ أفكارَها، يترقّبُ نجاحَها، ويتسلّل ويتسلّل… أمّنتهُ على طفولتها وصفائها وطهرهَا وهشاشتها وقلبهَا وصدقهَا… درَّجَ نفسهُ في حياتِها من صديقٍ إلى حبيبٍ… يفاجئُها بدقّتهِ، وحبّهِ، وألمهِ، وصدقهِ، وكرمهِ، وذكرياتهِ فيها ومعَها ولها… يخصُّها بكلماتهِ، يرويها بنظراتهِ، يطيبِّها بلمستهِ، يضحكُها بتلميحاتهِ.  وتمرُّ السّاعاتُ والأيامُ… فيصدمُها ببعدهِ وجرحهِ وألمهِ وقسوتهِ وتفكيرهِ وتصلّبِ رأيهِ… فهوَ لا يحبُّها حبَّ الزّواجِ بل حب الحبِّ نفسه، الدُّنيا تجبرهُ على البعادِ وهي الحبيبةُ البعيدةُ المستحيلةُ، الزّمنُ بطيءٌ معهُ ولا يريدُها أن تنتظرهُ، المالُ عبءٌ يحيطهُ ويخنقهُ ولا يتمنّاها عيشَهُ. وعليها أن تصدّقَ وتصدّق، بل وتحاولُ مواساته لكي لا يشعرَ بظلمِ دنياه… بكلِّ ودٍّ وخجلٍ يخبرُها بصديقةٍ لهُ سيكونُ هوَ لها، إنّها تشبِهه أكثر، تعنيه أكثر، وتفيدُه أكثر، وهي لعمرِه أنسب…

تصدُمها الصّداقةُ كم من مرّةٍ صدّقتها وأمّنتها فخانتَها ورمَتها مُجبَرةً وغيرَ متأهّبَة بحضنِ الحبِّ، فيفاجِئُها الحب، كم من مرّةٍ صدمَها وهي لا تزالُ لهُ مُصدّقةٍ؛ يُجبِرُها الزّمنُ على أن تكونِ مُتعبة وهي للحياةِ مُحبة، يلقّنُها النَّاسُ دروساً لتتعلمَ الغدرَ والكذبَ والخيانةَ، لكنّها لا تزالُ تؤمنُ أو تحاولُ أن تؤمنَ أنَّ هناكَ زاويةً في الحياةِ والنّاسِ لا تزالُ مضيئةً ومُبهجةً وحقيقيةً… تريدُ صداقةً من الرجل لا تتحوَّلُ إلى حبٍّ موجعٍ ومؤلمٍ ومضنٍ، (إلا أنَّ الشَّرقيَ لا يرضى إلا بأدوارِ البطولة).

العدد 1104 - 24/4/2024