لنترك بصمتنا في هذا العالم!

في الذكرى الأولى لوفاة ستيف جوبز الذي – بحسب اعتقاده – غيّر وجه التاريخ، مع قلّة من العباقرة منهم إينشتاين ونيوتن وشكسبير، تتصدر الصفحات الأولى من الصحف العالمية وقائع وأخبار وتحليلات عن هذا الإنسان الذي أراد تغيير العالم بالمعلوماتية.

 فهو الوحيد الذي يمكنك انتظار مؤتمراته كما تنتظر مباراة في كرة القدم، وهو أيضاً يجبرك على الانتظار لمدة أيام في طابور كبير أمام كل متاجره في العالم عند صدور أي منتج جديد.

هكذا عُرّف ستيف جوبز، أحد مؤسسي شركة التفاحة، وجرى الحديث بإسهاب عن عبقريته وتصميمه واختراعاته التي مازالت إلى اليوم تفرز الجديد رغم غيابه.

أما صفحات الفيس بوك فقد وضعت بضع عبارات ترافقت مع صور له في ذكرى وفاته، كانت مساراً لحياته ونبراساً لحياة من سيأتي بعده، ولجيل الشباب الذي يبدأ اليوم بالخطوات الأولى في مسيرة الحياة. فكان يقول: (اجعل هدفك ترك بصمة في هذا العالم، فالإبداع هو ما يميّز القائد عن التابع). فما معنى الحياة إذا لم يترك الإنسان وراءه أثراً إنسانياً لكل العالم، يذكر به بعد مماته كأنه لايزال على قيد الحياة. وكان يقول: (كن مقياساً للجودة في حياتك). ولا تخشَ من الخطأ، لكن عليك الاعتراف به فلن يخلو الإبداع من الأخطار: (أحياناً عندما تبدع ترتكب أخطاء. من الأفضل أن تعترف بتلك الأخطاء بسرعة، وتتغلب عليها بتحسين إبداعاتك الأخرى).

أما المادة فهي من الأمور الثانوية بالحياة لأن الأهم أنت وأن تفعل شيئاً جديداً مختلفاً: (ليس ما يهمني أن أصبح أغنى رجل في العالم، ما يهمني أن أذهب إلى سريري في الليل كي أنام وأقول لقد فعلت شيئاً رائعاً اليوم).

(إدراكي أن الجميع ذاهب ليموت هو أفضل شيء ساعدني على تجنب مصيدة التفكير بأن هناك شيئاً سأخسره، اتبع قلبك!).

أما العظمة فأنت من يختارها عندما تعمل لأجل ذلك، وتضعه هدفاً بين عينيك:

(أنت من يختار أن يكون عظيماً)، (اعمل ما تؤمن به).

تشكل هذه العبارات الصغيرة طريقاً لجيل الشباب الباحث عن هوية، بعيداً عن معتقدات عاش بها وتقوقع داخلها. ليبحث بنفسه عن أدوات للتغيير، عن حقائق جديدة بدلاً من اجترار الماضي والخوض في نقاشاته العقيمة، بدل النقد والتساؤل، متحررين من أفكار لقّنها الآباء والأجداد، مختارين بأنفسنا ما نجده الأفضل بعد قراءات متنوعة ومختلفة من حضارات وتجارب لآخرين.

الإبداع أن نخطّ مسيراً جديداً ليس بالضرورة هدّاماً للطرق القديمة، إنما بكل تأكيد مجادلاً ومحرّكاً لها فاتحاً الأفق نحو عوالم أخرى، وهذا كلّه يحتاج إلى الثقة بالنفس، أن نثق بأننا قادرون على ذلك، وأنّ هذا ليس مستحيلاً، فالعمل والتصميم هما مَن صنع عبقرية ستيف، وليست تلافيف دماغه فقط، إيمانه بقدرته وبأهمية ما يفعل هو الذي جعله يوماً ما يصنف نفسه بأنه من بين من غيروا وجه العالم.

كم شخصاً منا قرر في حياته أن يصنع التغيير بنفسه، مبتدئاً بذاته، مبتعداً عن مغريات المادة والحاجة لها؟..كم شخصاً منا قرر أن يضع بصمة تختلف عن بصمات الآخرين، وتعلّم في تاريخ البشرية؟

برأي ستيف: هذا كله ليس مستحيلاً، إنما فقط لنضع ذلك هدفاً لنا.

العدد 1104 - 24/4/2024