القمة الروسية «الأوربية» وضرورات التوازن تجاه الملفات العالقة

طغت ملفات عديدة على القمة الروسية – الأوربية في بروكسل 21/12/،2012 بدءاً من الملفات الإقليمية المتعددة والمتنوعة التي تعانيها مناطق عديدة، بدءاً من الملف الكوري الديمقراطي، إلى الملف النووي الإيراني، مروراً بالأزمة السورية وتداعياتها. في وقت لم تهمل فيه القضايا الثنائية الروسية – الأوربية، وخاصة ملف الطاقة وتبعاته، مروراً بالقضايا الخاصة بوضعية المواطنين الروس، وتأشيرات الدخول إلى بلدان الاتحاد الأوربي وأهميتها، فضلاً عن الموضوع المشترك الروسي- الأوربي حول قضية الاستيطان والتغيير الديمغرافي الجاري بوتيرة سريعة في الأراضي المحتلة عام 1967.

وكان واضحاً أن قمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجوزيه باروسو وفان رمبوي، وخاصة في مؤتمرهم الصحفي، قد تعرضت لجملة القضايا المطروحة، وبخاصة الإقليمية منها (الملف الإيراني، والكوري الديمقراطي والأزمة السورية). إذ تصنف روسيا العضو في اللجنة السداسية الدولية، إلى جانب الصين الشعبية حليفتين تقليديتين لكوريا الديمقراطية وملفها النووي السلمي، وفي كيفية تعاطيها مع هذا الملف النووي وآليات حله. وتستندان إلى ضرورة الحل المتوازن لهذا الملف، كذلك بوصفهما عضوين في اللجنة السداسية الدولية الخاصة بحل الملف النووي الإيراني، ولها موقفهما الإيجابي حول كيفية حل هذا الملف سلمياً. وتالياً رفض العقوبات (الدولية) والأحادية المفروضة عليها، خلافاً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

أما الأزمة السورية فقد أخذت أبعاداً أكثر حدة، بعيد التسليح العلني لمجموعات المعارضة المسلحة الإرهابية، فضلاً عن الدعم العلني الرسمي لقوى في المعارضة السورية، وبخاصة الخارجية المرتبطة بأجندات أجنبية، والتي اتخذت أبعاداً معلنة ورسمية، وخاصة من الدول (الغربية) والولايات المتحدة وأدواتهما، وما يسمى ب(مجموعة أصدقاء سورية) التي عقدت مؤتمرها الرابع في مراكش بعيد مؤتمراتها الثلاثة في تونس وإسطنبول وباريس.

وكان واضحاً الموقف الروسي المتشدد الذي أعلنه الرئيس بوتين في المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمعه إلى باروسو ورمبوي، وجوهره أن الحل السوري للأزمة السورية مرتبط بتوافق السوريين على كيفية الحل المفترض سورياً، وبأن لا شروط أجنبية على طبيعة هذا الحل أو شروطه. وبدا بوتين هجومياً في كيفية تعاطيه مع الملفات الثلاثة، وبخاصة السوري منه، ورفض التدخل علنياً ورسمياً في الشؤون الداخلية السورية، والدعم العلني الرسمي للمجموعات المسلحة، كذلك أطراف محددة بعينها من المعارضة، ومحاولة دعم قوى المعارضة المرتبطة عبر مؤتمراتها الأربعة الأخيرة، ضاربة عرض الحائط بالحلول المقترحة لحل سلمي للأزمة، وبخاصة وثيقة جنيف الموقعة دولياً في 30 حزيران الماضي، وقبلها مبادرة كوفي عنان بنقاطها الست، وجهود المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي المطالبة بحل سياسي للأزمة السورية، وبالحوار الشامل لأطياف المجتمع السوري على اختلاف تلاوينه واتجاهاته ورفض العنف والاقتتال.

في الوقت الذي يراوح الملفان النوويان السلميان الإيراني والكوري الديمقراطي في مكانهما، بسبب من التصلب (الغربي)- الأمريكي  وبعض دول الجوار الكوري والإيراني، مما يزيد الأمور تعقيداً. وهذا ما أشار إليه بوتين في مؤتمره الصحفي المشترك في ظل (خجل) أو (عدم اهتمام جدي) بحل هذه القضايا المعلقة، منذ سنوات طويلة، باستثناء الملف السوري الذي بدأت ملامحه منذ آذار من العام الماضي من احتجاجات سلمية في أسابيعها الأولى إلى عنف وعمليات عسكرية وتفجيرات ضد البنى التحتية والمؤسساتية الحكومية، فضلاً عن العمليات ضد المدنيين.

ورغم أهمية هذه الملفات الثلاثة، وعدم التوصل إلى حلول أو مبادئ أوّلية بشأنها، رغم الجهود (الدولية) وقرارات مجلس الأمن الدولي التي عطلت المشاريع (الغربية) المنحازة، فإن قضايا أخرى طرحت نفسها على العلاقات الثنائية الروسية- الأوربية عموماً، وبخاصة مسائل تصدير الطاقة الروسية (نفط، غاز) إلى القارة الأوربية. فضلاً عن تأشيرات الدخول للمواطنين الروس إلى الدول الأوربية والتضييق عليها، وما تمثله من إعاقة التطبيع بين القارة الأوربية وروسيا عملياً، وبخاصة الملفين النووي الكوري السلمي والنووي الإيراني السلمي أيضاً.. ومؤخراً الملف السوري وأزمته التي أظهرت انقساماً دولياً (غربياً)- أمريكياً وتدخل دول كبرى أخرى عطلت مشاريع القرارات الغربية المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي، وما تمثله راهناً من روابط وتكتلات اقتصادية قارية ودولية أبرزها (التنسيق) الروسي- الصيني، ومجموعة بريكس، ورابطة الدول المستقلة، ومنظمة شانغهاي للتعاون الدولي، وآخرها اجتماع طهران لمؤتمر دول عدم الانحياز) وما تمثله هذه الروابط من فرز دولي:

الأول: ويسعى إلى تعزيز الهيمنة (الغربية) – الأمريكية على مقدرات العالم وإمكاناته، وتالياً تعزيزالانفراد ومحاولة تأييد الأحادية الأمريكية.

الثاني: ويسعى من أجل عالم أكثر توازناً في شبكة العلاقات الدولية والقارية، تؤمن (استقراراً) دولياً من شأنه أن يحل المشاكل والملفات الساخنة العالقة القديمة والجديدة. وفي الوقت الذي تتطور فيه إمكانات ومقدرات دول التغيير والتقدم، وتعبر عن نفسها بتجنبها الأزمات المالية الأمريكية ثم الغربية عامَيْ 2008 و2009 وتبعاتها التي يعانيه العالم الرأسمالي عموماً وامتداداته، يزداد نفوذ القوى الأخرى المطالبة بحلول (متوازنة) ومنطقية وعقلانية لإشكاليات العالم على كثرتها. وترتكز في هذا السياق إلى المقدرات التي تمتلكها هذه الدول مقابل الأزمات التي تعيشها دول المراكز الصناعية الرأسمالية، وفي المقدمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. وتؤشر بمجموعها إلى تطورات وتفاعلات قارية ودولية قادمة عنوانها ضرورات التغيير لصالح هذه القوى والاقتصادات الناهضة، وخاصة بعد فشل قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى في حل إشكالاتها، كذلك مجموعة العشرين الدولية.

بقي أن نشير إلى الموقف (المشترك) الروسي- الأوربي من قضية الاستيطان في الأراضي المحتلة عام ،1967 وإن بدا الموقف الأوربي أكثر مرونة مقارنة بالموقف الروسي المشدّد على ضرورة الانسحاب الكامل من هذه الأراضي المحتلة، و(الخجل) العملي الأوربي في فرض عقوبات على إسرائيل أسوة بكيفية تعاملها مع ملفات أخرى أكثر سخونة و(أكثر سهولة) استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والتي مضى على إقرار بعضها أكثر من ستة عقود ونيف، لم تجد بعد طريقها إلى الحل المتوازن، والعادل.

أما مسألة العلاقات الروسية – الأوربية، على أهميتها، فإن الكثير من التعقيدات يتحملها الطرف الأوربي، وبخاصة كيفية تعاملها بتوازن مع هذه الإشكاليات الروسية- الأوربية، وانعكاساتها على الملفات الإقليمية والدولية الساخنة سلباً أيضاً.

العدد 1104 - 24/4/2024