الصداقة بين الجنسين في عصر ثورة المعلومات

أحد التعريفات الحديثة للصداقة حسب الموسوعة الحرة الويكيبيديا هي: علاقة اجتماعية وثيقة تقوم على مشاعر الحب والجاذبية المتبادلة بين شخصين أو أكثر، ويميزها عدة خصائص منها الدوام النسبي والاستقرار والتقارب العمري في معظم الحالات، مع توفر قدر من التماثل فيما يتعلق بسمات الشخصية والقدرات والاهتمامات والظروف الاجتماعية.

لكن ماذا حدث اليوم لمفهوم الصداقة في عصر ثورة المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك والتويتر والسكايب و…)؟ لقد حدث تبدل كبير على هذا المفهوم التقليدي للصداقة، له إيجابياته وسلبياته كذلك، خاصة على الصداقة بين الجنسين، حدث ما يشبه الثورة الحقيقية في هذا الموضوع، خاصة في مجتمعاتنا العربية التي تُعدّ من المجتمعات المغلقة بسبب العادات والتقاليد المتوارثة وازدياد ظاهرة التدين في العقود الأخيرة، التي ترافقت مع انتشار واسع لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت أكثر شعبية اليوم من أي وقت مضى.  فبدت هذه الظاهرة كأنها تحاول ضبط ما لا يضبط، ألا وهو الفضول تجاه الآخر، تجاه عالمه وحياته وميوله والرغبة الشديدة في اكتشافه. ففي هذا الفضاء الجديد، الفضاء الافتراضي، يمكن للفتاة أو الشاب اختيار الأصدقاء بسهولة بالغة والتواصل بالصوت والصورة عبر الكاميرات الرقمية لأجهزة الكمبيوتر الموجودة في كل بيت، وربما في كل غرفة. فأصبح لكل فرد يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من الأصدقاء يتواصل معهم غالباً، بعد أن رشحتهم له إدارة الموقع، مجموعة تحمل اهتمامات متقاربة، وتنتمي إلى مجموعات صداقة قد تكون مجموعات فنية أو فكرية أو ترفيهية. وهنا يشترك الجميع في هذا النشاط، إناثاً كانوا أم ذكوراً. وربما متساوين. لكن غالباً ما يحدث هنا أن هذا النوع من الصداقة القائم في العالم الافتراضي يبقى ضمن هذا العالم، أي لا تتطور هذه الصداقة لتأخذ شكل علاقة حقيقية، أي علاقة صداقة تعتمد على المقابلة المباشرة والتفاعل الشخصي المباشر، خاصة بين الإناث والذكور، في بعض البيئات التي لاتزال حتى اليوم تتشدد في الفصل بين الجنسين. لكن هذا الفصل لم يعد اليوم اقعياً تماماً بسبب هذه الثورة الاجتماعية التي أحدثتها ثورة المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت. فكلا الجنسين أصبح لديه نوع من المعرفة المتبادلة بالآخر، وذلك بفضل الدردشة المستمرة التي قد تستمر ساعات يومياً دون علم الأهل أو رقابتهم المستمرة، ما دام في كل غرفة حاسوب وإنترنت، وبالتالي أصبح لهما الخيار في تعميق هذه المعرفة وتحويلها إلى صداقة، أو إبقائها في طور التعارف السطحي. ولا بد أن تعطي هذه الثورة في الاتصالات تسهيلات لموضوع الصداقة عن بعد، خاصة بين أفراد من دول تبعد عن بعضها جغرافيا  مسافات شاسعة. منذ زمن مي زيادة وجبران، حين كانت الرسائل تتطلب شهوراً لتصل من المرسل إلى المرسل إليه، إلى زمن الفيسبوك والجدالات الحية والمباشرة والسريعة. ومن زمن لم يكن يعرف المرسل شكل صديقته الحقيقي، فيرسل رسالته معتمداً على وصف يعمل خياله الخصب على تركيبه، إلى زمن الكاميرات الرقمية العالية الدقة، والتي يتحدث فيها الأصدقاء مباشرة كأنهم يجلسون بعضهم أمام بعض. لكن يمكننا أن نتساءل أيضا رغم كل هذا التطور المذهل في التواصل بين الأشخاص: إلى أي حد تتوافر نسبة الصداقة الحقيقية والإخلاص؟ ثم بالعودة إلى التعريف السابق: إلى أي حد نسبة الدوام النسبي والاستقرار قائم لهذه الصداقات؟ كثيراً ما نسمع اليوم أن عدداً لا بأس به من الصداقات قد فصم عراه بسبب اختلاف الآراء ووجهات النظر السياسية والاجتماعية والدينية، وربما بسبب التحزبات المحزنة.

 الصداقة الحقيقية مسؤولية متبادلة، بحاجة إلى نضوج فكري ونفسي لتستمر، بين رفاق الجنس الواحد أو بين رفاق من الجنسين على حد سواء. والصداقة أساساً تبنى على الثقة والتعاطف وتبادل الخبرات الحياتية والروحية والعلمية والمادية أحياناً. ولكن بالتأكيد لا شيء يغني عن المعرفة الشخصية المباشرة الحية، لأننا سنكتشف عند اللقاء أن الأشخاص يختلفون تماماً بين الواقع الافتراضي الرقمي وبين الواقع الحي المحسوس، فالتفاعل الإنساني المباشر غالباً هو الأكثر صدقاً وحميمية.

العدد 1104 - 24/4/2024