نساء في المواجهة

في كل مكان بالعالم يواجه العديد من النساء القوانين الجائرة بحق المرأة والتمييز بين الجنسين والظلم الواقع على الإنسان. وهذه المواجهة لم تقتصر على أماكن محددة ومحمية، بل اتخذت الصدارة والمبادرة لتدفع في كثير من الأحيان تلك النسوة حريتهن أو حياتهن ثمناً لمواقفهن الشجاعة، وهذا حتماً سيفرض على القوى العالمية كلها الاعتراف بدور المرأة وحقها مقترناً بالفعل، وليس فقط بالكلام المعسول والمانشيتات العريضة.

فها هي ذي الإعلامية الكويتية (يسرا محمد) لم ترضخ لقرار وزارة الإعلام بتحريك دعوى قضائية ضدها بتهمة (خدش الحياء) على خلفية تقديمها لبرنامج (في الصميم) على قناة اليوم. بل واجهت الجميع وتحدّتهم بإرسالها خطاباً إلى وزير الإعلام تؤكّد فيه موضوعية برنامجها الذي تقدّم فيه قضايا إشكاليّة في المجتمع، وخاصّة الحلقة سبب الدعوة وهي (بغاء القاصرات) التي استضافت فيها الدكتورة والباحثة النفسية (رضوى فرغلي)، وخصصتها للحديث عن تاريخ هذه الظاهرة وكيفية انتشارها في الوطن العربي، ودَور علم النفس في معالجة النساء اللاتي يتم استغلالهن في تلك المهن المدمرة، وكيفية تأهيلهن بعد انقضاء مدة حكمهن ليندمجن في المجتمع من جديد.

ووجهت إليه سؤالاً: (كيف يمكن أن تحرّك دعوى على موضوع حلقة حول كتاب رخصته الدولة وهو (بغاء القاصرات)؟ فإذا قمتُ باستضافة أحد مؤلفي الكتب المرخص بيعها ومناقشتها، فهل سيتم توجيه تهمة خدش الحياء لي وللضيف؟! للأسف هذا ما حصل بالفعل..).

وبسبب قوّة موقفها وموضوعية طرحها تفاعل مع قضيتها عدد من الإعلاميين والمثقفين، وقاموا بإنشاء صفحة في موقع (تويتر) باسم (يسرا محمد) وأبدوا استنكارهم الشديد من هذه الخطوة السلبية التي أقدمت عليها الوزارة لتضييق الخناق على الحريات، وخاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة، رغم أن الإعلامية يسرا وضيفتها الدكتورة والباحثة النفسية كانتا تسلطان الضوء على قضية قائمة وتساهمان بعلاجها بطريقة علمية فنية بحتة.

وفي مكان آخر تواجه الطفلة ملالا الباكستانية الناشطة في حقوق الطفل، والبالغة من العمر أربعة عشر عاماً، رصاصتين إحداهما في الكتف وأخرى في الرأس نتيجة موقفها الشجاع بمتابعة التعليم وتشجيعها للفتيات أقرانها بالذهاب إلى المدرسة. وقد بدأت نشاطها منذ ثلاث سنوات عندما انتقدت عام 2009 على مدونة باللغة الأوردية أعمال العنف التي يرتكبها عناصر طالبان الذين كانوا يحرقون مدارس البنات. وحصلت العام الماضي على الجائزة الوطنية الأولى للسلام التي أنشأتها الحكومة الباكستانية، وكانت في عداد المرشحين لجائزة السلام الدولية للأطفال التي تمنحها مؤسسة (كيدس رايتس) الهولندية. وقد عرّضت نفسها للخطر، لدورها الرائد في الدفاع عن العلمانية. وهذا ما جعل العالم يسلّط الأضواء عليها. فوجَّهت وسائل إعلامية مختلفة وناشطون بحقوق الإنسان وقيادات عالمية رسائل شجب وإنكار وتضامن، مطالبين بتفسيرات لما يحدث بتفاصيل حياة الباكستانيات. وملالا ليست الناشطة الوحيدة التي واجهت التطرّف في باكستان، فقد قتلت في العام الماضي ناشطتان هما فريدة أفريدي، وظرتيف أفريدي، لأنهما كانتا تناديان بتعليم النساء.

ومازالت في كل مكان امرأة تقود التغيير، ونساء يدفعن ثمن آرائهنّ ومواقفهن، وقوى مظلمة تقف في وجه تطوّر المرأة والمجتمعات.

العدد 1104 - 24/4/2024