المباحثات الماراثونية «السداسية» الإيرانية وأبعادها

لا ينظر إلى المباحثات الماراثونية (الدولية) – الإيرانية بوصفها ملفاً خاصاً يتعلق بإيران واللجنة السداسية (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي زائد ألمانيا) والممتدة منذ سنوات طويلة، بل بوصفها تتعلق بالمنطقة ومستقبلها وقضاياها المتعددة الأوجه. فالبرنامج الإيراني (السلمي) الذي يجري تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولجانها ومفتيشها، لم يثبت حتى اللحظة نوايا إيرانية لعسكرة هذا البرنامج، أو تهديدات تؤكد الرغبة الإيرانية في ذلك على الأقل. إذ كرر المسؤولون الإيرانيون من المرشد الروحي على أكبر خامنئي، إلى رئيس الجمهورية الحالية أحمدي نجاد وغيرهم، عدم رغبة إيران في عسكرة هذا البرنامج واقتصاره على القضايا الاقتصادية فقط، فضلاً عن تناقضها مع التوجهات الإيرانية (السلمية) الساعية إلى امتلاك طاقة بديلة للإمكانات النفطية المتوفرة في إيران راهناً.

وطوال سنوات المباحثات الماراثونية التي امتدت سنوات طويلة، لم يثبت المفاوضون الدوليون، أو لجانهم التي امتدت سنوات طويلة، أو حتى لجان التفتيش المختصة بذلك، أدلة دامغة على عسكرة هذا البرنامج، أو النية في ذلك، لا بل أعلن المرشد الروحي علي خامنئي تحريم امتلاك إيران وغيرها من الدول للطاقة الذرية ومخاطرها.. وشدد وغيره من المسؤولين الإيرانيين عدم رغبتهم، ولاعتبارات كثيرة، امتلاك هذا السلاح النووي.

وشهدت سنوات التفاوض السداسية – الإيرانية الطويلة مايؤكد ذلك، من خلال لجان التفتيش (الدولية) ومبعوثي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدولية، حول عدم نية إيران لامتلاك هذا السلاح النووي الشامل.. ولم تجد هذه الاقتراحات الإيرانية استجابة إيجابية أمريكية أو (غربية) لدى أغلبية الدول الساحقة أو آذاناً مصغية، أو مجرد عبارات تتقاطع مع هذه الاقتراحات الإيرانية الإيجابية. بل ظهرت رغبة إضعاف دورها الإقليمي، في الوقت الذي يتعاطى فيه العالم ب(ازدواجية) فاقعة مع التقدم التكنولوجي النووي، وبخاصة الإسرائيلي منه، وصولاً إلى اللامبالاة وغض الطرف عن دول نووية أخرى، حتى لو أصبحت إيران دولة نووية سلمية كما يعلن قادتها على الأقل.

وهذا ما يفسر في جزء منه إصرار بعض دول السداسية والإقليمية على حرمان إيران من حقها الطبيعي في امتلاك برنامجها النووي (السلمي)، مرة أخرى، الذي أكدته وفي أكثر من مناسبة، الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدولية، قبيل تسليم البرادعي مهماته وبعدها.. كذلك خشية الدول المجاورة لإيران (الصديقة) أو غيرها، من وجود دولة نووية، رغم إعلانها الرسمي عن سلمية برنامجها النووي، وأنه مخصص لإنتاج الطاقة البديلة.

وتشير موازين القوى القائمة في المنطقة، وفي حدود ليست قليلة مع دول مجاورة على الأقل، إلى رغبة بعض دول المنطقة في امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية أو عسكرية، ورفضها في المقابل الحق في امتلاك إيران هذه الطاقة النووية السلمية مرة أخرى، التي باتت حاجة اقتصادية أولاً وقبل أي شيء آخر.

ونشير هنا في جانب هام إلى ازدواجية المعايير في التعاطي مع هذه الحالة القائمة، وبضمنها دول من منطقتنا، والإقرار بحقها في امتلاك الطاقة النووية (السلمية) التي تطالب العديد من دولها أن تكون منطقة خالية من السلاح الشامل والنووي أيضاً. أما المفاوضات الماراثونية (السداسية) – الإيرانية فستبقى قائمة. ومازالت إيران مصرة على حقها في امتلاك الطاقة النووية أسوة بغيرها من الدول، مع تحريمها سياسياً وعقائدياً ودينياً امتلاك السلاح النووي.. وهذا ما أشارت إليه أكثر من مرة وعلى لسان أكثر من مسؤول إيراني رفض إيران الأخلاقي والديني والسياسي لهذا السلاح وخطورته.. ولهذا مدلولاته أيضاً. فإيران القوية اقتصادياً الصاعدة كغيرها من الدول الناشئة المستقلة اقتصادياً وتالياً سياسياً وتبعاتها، ودولها في المنطقة أيضاً، يعطي لهذه المبررات أسبابها، وهذا ما تدركه إيران والعديد من دول اللجنة السداسية أيضاً، فضلاً عن الدول الإقليمية، التي ربما لا تنسجم توجهاتها وتحالفاتها القائمة والمستقبلية القريبة مع الاستقلال الناجز اقتصادياً وسياسياً لهذه الدولة الصاعدة إقليمياً، وربما دولياً أيضاً. ولهذا مدلولاته وتبعاته الراهنة والمستقبلية، وفي المقدمة إيران وتحالفاتها أيضاً..كذلك العديد من الدول المنضوية في إطار اللجنة السداسية (الدولية).. أما موضوع انعكاسات هذا الدور على ملفات المنطقة، ريثما تترتب الأوضاع فيها، فإنها تؤكد أن إيران باتت دولة إقليمية هامة، وأن على الآخرين أخذ هذا بالحسبان راهناً ومستقبلاً، وبضمنها الملفات الشائكة العربية والإقليمية أيضاً، لهذا مبرراته وأسبابه إيرانياً وعربياً وإقليمياً أيضاً.

ولعل حساسية هذا الملف تفسر بعض النقلات الطفيفة في معالجة ملفات ساخنة في المنطقة مثل ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وملف العراق المعقد، وملف الأزمة السورية الأشد تعقيداً.

العدد 1105 - 01/5/2024