فرصة أن يكون الجميع رابحاً

في عالم اليوم الموسوم بالمنافسة الحادة، سواء في الحقل الرياضي أم في القطاع الشركاتي الخاص، أو في مجالاتٍ أخرى، يحظى الفائز بكل الإعجاب والتكريم. أما الخاسر فلا أحد يعيره الانتباه مهما كان قد ناضل ببسالة، ومهما قل الهامش بينه وبين الرابح. نحن نتبنى ونرعى ثقافة (الفائز يأخذ كل شيء). لكن، ألا يوجد بديل  لهاجس (النجاح بأي ثمن)، يكون أكثر شمولية وفائدة عن استراتيجية (الأول يفوز بكل شيء، والخاسر يخسر كل شيء) غير الصحيّة. حين يتبارى شخصان، أو فريقان أحدهما ضد الآخر، فهل يمكن للطرفين أن يفوزا معاً؟ نعم، بالنسبة لأولئك الذين ينظرون إلى الحياة من منظور واسع، هناك فرصة ليكون الطرفان أو الجميع فائزين. علماء النفس تعرفوا على عدد ما بين 4 إلى 6 أنواع من نتائج التفاعل الإنساني في ساحات المنافسة، ومن بين هذه النتائج: (فوز/ خسارة)، (فوز/ فوز)، (خسارة + ربح)، (لا فوز/ لا خسارة)، أخيراً ثمة حالات ليس فيها (صفقات) إطلاقاً.

النتائج الآنفة الذكر غنية عن التعريف. لكن الصيغة الأكثر إيجابية هي صيغة: (فوز/ فوز). ولتقييم أهميتها الحقيقية، دعونا أولاً ننظر إلى أكثر الصيغ دماراً، وهي معادلة (خسارة/ خسارة). يعد مثل هذا الخيار موقفاً بائساً ومدمراً بشكلٍ رهيب، إذ يلجأ إليه الأطراف المتحاربة التي لا تمانع من الخسارة مادام خصومها لا يفوزون. التاريخ مليء بنماذج الحروب التي لم تخلف إلا الدمار الواسع النطاق في كل مكان بالعالم.

في العادة تستنزف الدعاوى القضائية كلاً من المدعي والمدعى عليه على حدٍّ سواء، على حين يكون المحامون وحدهم السعداء. هذا المبدأ ينطبق بشكلٍ متساوٍ  على الشؤون الإدارية، وعلى العلاقات الشخصية أيضاً. وعلى النقيض من ذلك فإن سيناريو (الفوز للجميع) يسمح لكل طرف بالاستفادة بطريقة ما، بحيث لا يكون هناك خاسرون. ما يشجع على الوصول إلى هذه النتيجة هو الأخذ بمبدأ التعاون بدلاً من التنافس. وعليه تكون استراتيجية (ربح/ ربح) هي البديل الأمثل لحل الأزمات وفض النزاعات، لأنها تستوعب مختلف وجهات النظر وتسمح بالتوافق في كل القضايا. يولّد مبدأ (فوز/ فوز) شعوراً بالثقة بالنفس يخرج من تجربة الـ(نحن)، خاصةً إذا كان أحدهم قد مر مؤخراً بفترة عزلة عاطفية أو اكتئاب. فالأعمال الخيرية، مثلاً، هي مساحة توفر فرصة لتطبيق مبدأ (فوزـ فوز)، ذلك أن الاضطلاع بالأعمال الخيرية ومساعدة الآخرين على الفوز في حياتهم يجلب السعادة الحقيقية ويجعل المبادر بالمساعدة أيضاً رابحاً.

وفي داخل البيوت، ثمة مثال إضافي عن مبدأ (ربح/ ربح): تخيلوا زوجين موظفين يختلفان حول توزيع الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. الزوج المستبد يمكن أن يخلق وضع (فوز/خسارة) لمصلحته، والنتيجة ستكون شريكة غاضبة ومزعجة. من جانب آخر، إذا أظهر الزوج استعداداً لمشاركة زوجته الواجبات المنزلية، فهل يخسر؟ لا. بل سيكسب الزوج محبة زوجته ومزيداً من رعايتها. خروج كلا الزوجين رابحاً من التجربة يمهد الطريق لحياة سعيدة لهما ولأطفالهما. يمكننا أن نطبق هذه التقنية التفاعلية الناجحة والمتكيفة مع جميع المواقف في أماكن العمل وغيرها من الأماكن.

الرابحون يعتقد أنهم من نوع البشر الذي يتميز بنسبة عالية من الذكاء العاطفي، المعروف اختصاراً بحرفي (EI). إنهم يستخلصون العبر من الإخفاق لصنع النجاح في المستقبل. وبهذا المعنى حتى في الفشل لا يعدّون خاسرين. إنهم يحولون التحدي إلى حالة نجاح متبادل: (فوز/ فوز). بيد أن الحاصلين على نسبة متدنية من الذكاء العاطفي يضعون أنفسهم في دوامة الفشل والقنوط. إجمالاً، تعمل فلسفة (تربح ويربحون) كحاجز ضد التفكير السلبي والناس السلبيين. وبدلاً من الدخول في دوامة الصراع يستحسن جذب أصحاب الأفكار المتجانسة وتوفير الكثير من الطاقة الإيجابية. إذا فعلنا ذلك فسنحظى بالكثير من الفرص والكثير من الوظائف المستقرة والعلاقات الشخصية المحصنة. لمَ لا، والمجال أمامنا واسع للاجتهاد بغية إضافة الكثير من المعاني السامية لحياتنا… وذلك بالإيمان بأن النجاح في متناول أيدينا، فلنعملْ جادين من أجل تلك الغاية، ولنجلبْ السعادة لكل من حولنا.

 

اقتباسات

ـ الانضباط يصنع الرابحين، الرابحون يظلون منضبطين. من أقوال (ماك أليستر).

ـ الرابحون ينجزون، الفاشلون يتذمرون. من أقوال (أنون).

ـ الانتصار أن تعمل أفضل ما تستطيع عمله، الفشل أن تعمل أقل ما يمكنك عمله. من أقوال (جون وودن).

د. راجان فيليب

عن موقع (O. Observer.com)   

العدد 1105 - 01/5/2024