قمة «بريكس» الخامسة وتعزيز حضورها الدولي

أنهى زعماء مجموعة (بريكس) الدولية قمتهم الخامسة في مدينة دوربان الجنوب إفريقية (27 و28 آذار الماضي) بالتوافق على العديد من القضايا المتعلقة بكيفية تعزيز أوضاع المجموعة وعلاقات دولها الثنائية والجماعية، إضافة إلى دورها الدولي المتنامي في حل المشاكل الوطنية والعالمية التي يواجهها عالمنا، وبخاصة الملفات الساخنة منها، فضلاً عن آليات تعاطي المجموعة الاقتصادي مع الدول الأخرى، وفي مقدمتها الدول النامية الساعية إلى تعزيز استقلالها الوطني.

بداية لابد من الإشارة إلى نشوء هذه المجموعة (بريك) عام ،2006 وقد ضمت آنذاك البرازيل وروسيا والهند والصين، ثم انضمت جمهورية جنوب إفريقيا إلى هذه المجموعة عام 2010 لتتحول إلى (بريكس)، وفقاً للحروف الأولى من أسماء الدول الأعضاء فيها. وباتت تضم في صيغتها الراهنة نحو 43% من سكان العالم، وشغلت في العام 2012 نحو 6,13 تريليون دولار من الناتج العالمي، ومثلت بذلك نحو ثلث هذا الناتج.. وتطمح وتخطط إلى أن تشكل نحو نصف هذا الناتج قريباً. وفضلاً عن أنها تمثل أكبر سوق عالمي استناداً إلى عدد سكانها وقوتها الشرائية (دولاً ومجموعة)، فإن ذلك انعكس أتوماتيكياً على علاقاتها الاقتصادية الدولية، وتالياً السياسية أيضاً.

وهذا ما تطلّب من القمة الخامسة مناقشة سبل تطوير علاقاتها الاقتصادية الداخلية التي تلخصت في تشكيل مجلس أعمال المجموعة المعني بإدارة الاستثمارات فيها، وتحديد آليات عمله، التي توافقت عليها القمة، وتمثل في تشخيص صيغ عمل هذا المجلس، بدءاً من هيكليته وطرق عمله (يجتمع المجلس مرتين كل عام، وتكون رئاسته دورية بين أعضاء المجموعة)، وصولاً إلى دوره وفعاليته الدولية، وبضمنها كيفية تجنب المجموعة لهيمنة المؤسسات المالية الدولية، التي تسيطر الدول الغربية (المصرف الدولي، صندوق النقد الدولي.. إلخ) على الخطط و(المساعدات) الدولية.. إذ يقدر احتياطي العملات الصعبة التي تستحوذها المجموعة بنحو 4500 مليار دولار، وبالتالي دورها وآثارها في شبكة العلاقات الدولية القائمة، وانعكاساتها السياسية أيضاً على هذه العلاقات.

وفي الوقت الذي لم تستطع فيه قمة دوربان إقرار إقامة مصرف ائتماني للمجموعة، كان مدرجاً على جدول أعمالها، برأسمال أولي مقداره 50 مليار دولار، يوزع بالتساوي على دول المجموعة، كذلك كيفية إدارته وآليات عمله وأجهزته التنفيذية ومقره أيضاً.. فقد توافقت القمة على إطلاق المفاوضات بشأن إقامته، والذي يفترض بالقمم القادمة أن تناقش الخطوات العملية حوله، بوصفه خطوة مفصلية في عملية تكامل العلاقات الاقتصادية لهذه المجموعة من جهة، وتعزيز حضورها الاقتصادي الدولي من جهة ثانية.

القمة الخامسة ل(بريكس) ورؤساء دولها وحكوماتها، البرازيلية ديلما روسييف، والجنوب إفريقي جاكوب زوما، ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، ضمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المُنتخب قبل أشهر قليلة، والصيني شين جين بينغ، المنتخب أميناً عاماً للحزب الشيوعي ورئيساً للدولة قبل أسابيع قليلة.. وهذا ما يؤشر إلى استدامة عمل المجموعة وتوجهها، بغض النظر عن التفاعلات والتطورات الوطنية في دولها، وتغليب مهمة (بريكس) ودورها أولاً على حساب المتغيرات في أي دولة من دولها؟

وخلافاً للقمم السابقة التي انتظمت دورياً في الأعوام السابقة، فإن الملفات الساخنة التي يشهدها عالمنا، قد شغلت حيزاً هاماً من جدول أعمال قمة دوربان، وبخاصة الملف النووي السلمي الإيراني، والأزمة السورية، والملف الفلسطيني، وآليات تطوير العلاقة مع القارة السمراء أيضاً. وتجلى ذلك في البيان الختامي لقمة دوربان، الذي أكد حق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وحل خلافاتها مع (المجتمع الدولي) عبر الحوار والمفاوضات السياسية حوله، ورفض سياسة العقوبات الأحادية التي تنتهجها بعض الدول، وبخاصة الغربية منها.. كذلك تحديد موقف مجموعة (بريكس) من الأزمة السورية الذي تلخص في ضرورة الحوار والحل السياسي لهذه الأزمة، ورفض التدخل الخارجي الإقليمي والدولي، وأعمال العنف والاقتتال الداخلي الذي لن يشكل مدخلاً لحل هذه الأزمة، بل يزيدها تعقيداً. وفي تأكيد على دور (بريكس) العالمي في معالجة الإشكاليات المناطقية والدولية، أعلنت قمة دوربان عن رفضها لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، ووصفها بالمخالفة للقرارات والمعاهدات الدولية والجهود الساعية إلى حل على أساس دولتين فلسطينية وإسرائيلية، ورحبت بانضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة عضواً مراقباً (صوتت دول (بريكس) لصالح هذا القرار في دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخيرة). وفي إشارة إلى حجم علاقات مجموعة (بريكس) مع الدول النامية والإفريقية خصوصاً، عقد زعماء المجموعة اجتماعاً خاصاً في دوربان على هامش أعمال القمة الخامسة، مع 15 زعيماً إفريقياً، ناقش سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية الإفريقية (دولاً وقارة) مع المجموعة، أكد أهمية هذه العلاقات وسبل تطويرها.

مجموعة (بريكس) التي تجنبت دولاً ورابطة الأزمة المالية العالمية وتداعياتها، أكد زعماؤها حرصهم على ضرورة تطوير أوضاعها وعلاقاتها الداخلية الاقتصادية، وتعزيز آليات وأشكال التعاون بين دولها، وتالياً دورها الاقتصادي- السياسي الدولي، بوصفها أحد أهم الروابط والتكتلات العالمية. وفي هذا السياق ينظر باهتمام إلى إصرار (بريكس) على احترام المؤسسات والمرجعيات الدولية، وبخاصة الأمم المتحدة ومؤسساتها (تشغل دولتان منها، روسيا والصين، عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي، كذلك الدول الثلاث المرشحة لنيل هذه العضوية في إطار المداولات الدولية الجارية حول تطوير أوضاع الأمم المتحدة، وهي البرازيل والهند وجنوب إفريقيا). كذلك إلى رؤية المجموعة للعلاقات الدولية الراهنة والمستقبلية الرافضة للأحادية القطبية الأمريكية وتداعياتها السلبية وطنياً ودولياً، والداعية إلى التعددية القطبية بوصفها الآلية العملية للوصول إلى عالم أكثر أمناً وتوازناً واستقراراً.

وهذا ما أكده زعماء (بريكس) في قمة دوربان، وشغل حيزاً هاماً من جدول أعمالها، وأكد طبيعة توجهها، وكيفية تعاطيها مع شبكة العلاقات السياسية الدولية الراهنة والمستقبلية أيضاً.

العدد 1105 - 01/5/2024