كيف ينظر الشباب السوري إلى الحوار الوطني؟!

مضى على عمر الأزمة التي تعصف بسورية قرابة عامين، تعددت خلالها الرهانات على مخارج سياسية وسط تدهور اقتصادي وانحلال اجتماعي. لكن الحوار الوطني بقي هو الهدف المنشود لأغلب القوى الوطنية راغبة منه في إعادة الوفاق واللحمة الوطنية وطريقة لإيقاف العنف والخروج بنتائج إيجابية من شأنها إيقاف الفوضى. ومن ناحية أخرى ينتظر الشباب-ات تفعيل دورهم في وقت يعاني فيه شبابنا الكثير بدءاً من المشاركة السياسية ومروراً بالأوضاع الاقتصادية التي انعكست على المجتمع وأخلاقياته.

وللوقوف حول آراء الشباب السوري من الحوار الوطني المرتقب وتطلعاتهم للمرحلة القادمة كان لا بد من التواصل مع عدد من الشباب-ات للتعرف على آرائهم-ن ، فكانت البداية مع السيد نزار ياريد، الناشط في المجتمع المدني، الذي تحدث عن آلية الحوار الناجح. إذ شدد على ضرورة أن نعي معنى الحوار كلغة للمتحضرين وآلية وعي. وهو يحتاج إلى قبول وإصغاء للآخر، وقال: (يجب أن نعرف مفهوم الوطن ونتفق على أن مصلحة سورية فوق كل مصلحة، بواسطة تحديد قواسمنا المشتركة أثناء الحوار، والانطلاق منها، ومن ثمَّ نعمل على إيجاد حلول لما نعانيه من مشاكل)، مؤكداً وجود الكثير من الأمور التي تحتاج إلى تغيير وتبديل، ونبّه إلى أن علينا ألا نخاف من التغيير لأنه يعني التطوير، الأمر الذي يتطلب منّا (مناقشة كل القضايا بصراحة وشفافية دون تحيز لفئة أو لقضية، فالخطأ أن نستمر في تحييد بعض القضايا، فالنقاش تحت سقف الوطن يوجد العدالة ويعزز المساواة في الحقوق والمواطنة).

وبالنسبة إلى تعزيز دور الشباب-ات في المجتمع أكد السيد يارد أنه الأساس، لأنهم الفكر الإبداعي، وقال: (إن مشكلتنا الرئيسة اليوم  التي تجلت في الأزمة، أن كل الذين يقومون بالأعمال هم كبار السن الذين على الرغم من امتلاكهم الخبرة لكن يضعف عندهم الإبداع، الذي ينطلق دائماً من اليافعين ومن الشباب، فوجود الشباب يزيد مساحة الإبداع ونخرج من الأطر المؤسساتية القديمة الكلاسيكية).

الأمر الذي أيده الطالب في كلية الاقتصاد مجد قائلاً: (يلعب الشباب دوراً مفصلياً لذلك يجب عليهم أن يعرفوا أن سورية أمانة في أعناق الجميع، ومستقبلها يحتم علينا التضحية، مبتعدين عن الأحقاد الحزبية والعصبيات المناطقية والذاتية ولنلتفت إلى سورية ومستقبلها).

كما أيد السيد محمود مصطفى -الذي يعمل مديراً لأحد المواقع الإلكترونية- فكرة الحوار، مشترطاً أن يحتضن الحوار الوطني جميع أطياف المجتمع السوري دون استثناء. على أن يمثلوا بشخصيات مستقلة يشهد لها بالنزاهة والوطنية، مضيفاً (يجب علينا أن نسعى إلى إقناع من لا يؤمن بالحوار الوطني، بأنه المخرج الوحيد للسوريين من هذه الأزمة، وأنه الحل الأمثل لتحقيق الأمن والاستقرار للمواطن وللوطن).

أما ما يتعلق بالعمل الحزبي في سورية فقال: (يجب أن تتساوى فرص نشاط عمل الأحزاب المرخصة وألا يكون النشاط ضمن الجامعات والمدارس حكراً على حزب واحد فقط. وقد أثبتت تجربة السنوات الماضية فشل هذه الخطوة وعدم جدواها). وتساءل: أين ذهب الشباب السوري لمدة طويلة بعد أن منعت الأحزاب من النشاط بين الطلاب؟ وقال: (منهم من ذهب باتجاه التطرف الديني، ومنهم من سعى خلف لقمة العيش، وأصبحت نظرته سلبية لمفهوم العمل السياسي).

أيضاً نبه السيد مصطفى إلى ضرورة إيجاد وسائل لتخفيف المعاناة عن النازحين، وإعادتهم إلى بيوتهم، والتعويض عليهم مادياً بقدر الإمكان، ورعاية أسر وأبناء الشهداء الذين سقطوا خلال الأزمة.

من ناحية أخرى شدد طالب الإعلام أحمد على دور الإعلام السوري، مشيراً إلى أنه مازال ينقصه الكثير، كغياب الرؤية الواضحة للدور المطلوب منه، والقصور في تحديد الأدوار والمهام والمسؤوليات، والحاجة إلى منبر إعلامي خارجي لمخاطبة الرأي العام غير السوري بمنطقية وطريقة مختلفة، ومنبر داخلي لمناقشة وحل مشكلات وقضايا المواطنين السوريين. وأوضح أن الخلل يكمن في الهيكلية الإدارية للمؤسسات الإعلامية، إضافة إلى غياب آليات التدريب والتنمية والتخطيط. وقال: (يفترض أن تكون عملية التطوير متكاملة ومتزامنة لتشمل عناصر العملية الإعلامية مجتمعة).

ويرى المحامي حسام زخور أن الحوار الوطني ضرورة ملحة للخروج بسورية من حالة اللاستقرار التي تمر بها، مضيفاً: (يجب علينا تقوية ركائز الدولة المدنية من خلال فتح باب الحوار الذي هو أحد دعائمها. وبالحوار نبني ثقافة جديدة تنبذ العنف وتدعو لترك السلاح جانباً)، مطالباً بإيجاد قاعدة شبابية للأحزاب السورية ووضع شروط أو نسب لتمثيل الشباب في المجالس والحكومات المقبلة. وأكد المحامي زخور أن معظم أسباب الأزمة التي نعيشها هي نتيجة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين أفراد المجتمع، لهذا وجب على مؤتمر الحوار الوطني أن يتناول الوضع الاقتصادي للشباب والسبل الممكنة لإيجاد حد أدنى من الأجور تكفل حياة آمنة ومستقبلاً مضموناً لهم وإيجاد سبل لتوزيع الثروة بطريقة عادلة بين أبناء الوطن الواحد. وقال: (تعد الحريات السياسة نوعاً من الترف للشباب-ات، مع أنه حق طبيعي لكنه ليس ضمن سلم الأوليات عند الشاب الذي يكمن جل اهتمامه في إيجاد وظيفة كريمة ومسكن لائق يمكّنه من إكمال مساره وتكوين أسرته). وأضاف: (المهم إيجاد فرص عمل ومن ثمَّ تأتي الحياة السياسية، فما فائدة الأحزاب والسياسة إذا كان الشباب لا يجدون فرصة عمل أو مسكن لائق). وتابع قائلاً: (أمنوا الجانب الاقتصادي للشباب لتبنوا طبقة سياسية وتؤهلوا الوضع لوجود أحزاب سياسية مؤثرة). وأشار المحامي زخور إلى ضرورة إعادة النظر بالكثير من القوانين، ومنها قانون الأحوال الشخصية.

كما أكد السيد عبود خضرشاه (من مكتب التسويق الإقليمي لشركة سوني-الشرق الأوسط وإفريقيا) ضرورة وقف العنف والتدمير الممنهج للبنى التحتية، ومن ثمَّ البدء بإيجاد حلول لإعادة الموارد المعيشية الأساسية لتصبح في متناول يد الجميع، وقال: (لا أحد يهمه النظام السياسي لأي دولة مادام يشعر بالبرد والجوع وفقدان الأمان). وعن نظرته إلى نتائج الحوار، قال: (الخروج بمعادلة تنتهي بإعادة هيكلة السلطات، وترتيب صلاحيات كل منها، ومكافحة الفساد، إضافة إلى رفع سقف رواتب القطاعين الخاص والعام، ومراقبة أسعار السوق وردع المتلاعبين بقوت المواطن. والأهم من هذا مراقبة جودة المناهج التعليمية لجميع المراحل، وخصوصاً مراحل التعليم الأساسي. هذه المطالب كلها مطالب أساسية وجوهرية لأنه في حال تحققها تصبح فرصة الارتقاء الثقافي والاجتماعي والعلمي لأي مكنون من مكنونات هذا الشعب أفضل).

ختاماً نتمنى أن يكون الشباب أحد روافد الحوار، بأن يكون لهم صوت ورأي مميز، يساعد على بناء الوطن ويحمي سورية وأرضها وشعبها. لذلك يجب علينا أن نخطط معاً لمستقبل سورية المنشود، فرأي الشباب مهم جداً في هذه المرحلة.

العدد 1104 - 24/4/2024