وسط تغييب للمجتمع المدني لجنة قانونية لإزالة المواد التمييزية

كثر في الآونة الأخيرة النقاش عن ضرورة تمكين المرأة وإزالة جميع المعيقات والقيود التي تعرقل تحقيق شراكة حقيقية لها في بناء المجتمع. فكان لزاماً الإشارة إلى أهمية القوانين والتشريعات في تشكيل أرضية صلبة تنطلق منها المفاهيم الخاصة بحقوق الأفراد نساءً ورجالاً.

ولهذا وضعت منظومة القوانين من أجل أن تحدد للفرد حقوقه وواجباته. وفي مجتمعنا السوري مازالت المرأة حتى اليوم تعاني نظرة دونية وتهميشاً وإقصاءً عن المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، في ظل قوانين تلحق الظلم بها وتجعلها غير مساوية للرجل. وعلى الرغم من التعديل الأخير للدستور إلا أن هذا التعديل التشريعي لم يلغِ النصوص التمييزية في النصوص القانونية المختلفة.

من هنا كان لابد من صياغة منظومة قوانين تساعدها على الانخراط في المجتمع بفعالية، بواسطة تشريعات تعترف بإنسانيتها وبمواطنيتها وبقدراتها. وحرصاً على هذا أصدر وزير العدل مؤخراً قراراً بتشكيل لجنة لمراجعة النصوص القانونية النافذة، وتحديد ما يتضمن منها تمييزاً ضد المرأة، وتقديم التوصيات بشأنها أو بشأن العنف الأسري ضد النساء والأطفال للعمل على إلغائها أو تعديلها بما ينسجم مع أحكام الدستور. وقد ضمت اللجنة في عضويتها الدكتورة إنصاف حمد رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة، والدكتورة ماجدة قطيط رئيسة الاتحاد العام النسائي، والقاضية غادة السباعي عضوة إدارة التشريع، والمحامية جنيت سعيد ممثلة لنقابة المحامين، واللجنة برئاسة القاضية آمنة الشماط.

لكن كان التغييب للمجتمع المدني السمة البارزة مبدئياً في هذه اللجنة. فبرغم أن القرار إيجابي، كما تقول السيدة إيمان أحمد ونوس، الناشطة في قضايا المرأة، باعتباره جاء تلبية لمطالب الحركة النسوية السورية ومنظمات المجتمع المدني منذ زمنٍ ليس بالقليل، لكنه بحكم التراجع عن قرارات مشابهة كقرار رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 11/7/2011 القاضي بتشكيل لجنة وزارية من أجل تعديل المادة 3 من قانون الجنسية، بما يسمح للمرأة السورية بمنح جنسيتها لأبنائها أسوة بالرجل، ورفض مجلس الشعب مناقشة هذا القرار لاحقاً، جعلنا لا نثق  كثيراً بتلك القرارات القائمة على دوافع آنية مرحلية، والتي يُتراجع عنها أو نسيانها لاحقاً تحت مختلف الذرائع. أما بالنسبة للجنة المشكلة فيبرز فيها إقصاء وتغييب المنظمات النسائية السورية، سواء كانت لدى الأحزاب، أو لدى منظمات المجتمع المدني عن هذه اللجنة، رغم جهود هذه المنظمات المكثفة على مدار أعوام وأعوام من العمل النسوي في سورية، مشددة على أن في هذا الأمر خللاً كبيراً إن كان في النيّة الصادقة والجادة للتعديل المطلوب، أو في إمكان الاعتراف بالآخر شريكاً حقيقياً في بناء الوطن وبناء دولة المواطنة القائمة على احترام الدستور، وضرورة مواكبة جميع القوانين لبنوده دون استثناء..

الأمر الذي لم تحبذه وزارة العدل في تعقيبها على بعض المداخلات في أحد المواقع الإلكترونية، مبينة أنها لجنة فنية مهمتها حصر النصوص تمهيداً لإلغائها أو تعديلها. ومثل هذه اللجان يجب أن يكون عددها محدداً لضمان فاعليتها من جهة، وإنجازها العمل المطلوب منها في الوقت المحدد لها من جهة ثانية. وهذه اللجنة كسائر اللجان التي تشكلت مؤخراً في الوزارة، ضمت ممثلين عن الجهات المعنية التي يتصل عملها بموضوع عمل اللجنة اتصالاً مباشراً (القضاء، الإدارة، التشريع، نقابة المحاسبين، الاتحاد العام النسائي، الهيئة السورية لشؤون الأسرة). وأشارت الوزارة إلى أن لديها مجلساً استشارياً يضم المئات من المختصين من مختلف الاتجاهات. وكل مشروع قانون يعرض على العشرات من أعضاء هذا المجلس الذي ينتمي أعضاؤه إلى تيارات فكرية وقانونية وسياسية مختلفة.

ولكن أليس المطلوب أن نلمس في قراراتنا وتشريعاتنا السواد الأكبر من الشعب الذي يمسه القرار، بأن تمثل في اللجنة جميع أطياف الناشطين بمجال المرأة والعاملين معها، فهم أدرى بهمومها الفعلية، ويستطيعون التعبير عن معاناتها بطريقة أكثر واقعية؟!

ومن ناحية أخرى نتساءل مع كثيرين: هل إصدار القوانين والتشريعات وتشكيل اللجان يساعد على الحد من معاناة النساء والأطفال؟ إذا كان المجتمع لا يضمن حقوق المرأة ولا يعترف بوجودها الكثير من مكوناته. وعن ذلك قالت السيدة إيمان ونوس: (إن معاناة المرأة لا تنتهي فقط باستصدار القوانين والتشريعات، رغم أهمية ذلك وضرورته)، وأكدت أن معاناة المرأة تحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى ذهنية مجتمعية قائمة على احترام كينونتها وإنسانيتها، واعتبارها شريكاً أساسياً للرجل في صياغة وصناعة الحياة والمجتمع. وانطلاقاً من هذه الذهنية يُصبح الاعتراف بحقوقها أمراً طبيعياً في المجتمع.

كما شددت على ضرورة وجود الخطط التنموية من أجل رفع سويتها المادية والاقتصادية، لأن تحررها الاقتصادي مدخل لتحررها في الجوانب الأخرى في الحياة.. ولكن قبل كل هذا تحتاج إلى ترسيخ قيمة العلم والعمل لديها، مما يجعلها إنسانة فاعلة في المجتمع، بعيداً عن الاعتماد على الرجل في كل شؤون حياتها الخاصة بواسطة رفع وعيها واحترامها لذاتها.

كما طالب المحامي حسام زخور بإلغاء التحفظات الحكومية السورية على اتفاقية (سيداو) للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وأكد ضرورة العمل من أجل توفير حماية قانونية للنساء في حال تعرضهن للتمييز أو العنف الجسدي والجنسي في أماكن العمل أو في المنازل، والعمل على إدماج اتفاقية سيداو في قوانين الأحوال الشخصية السورية.

وشجع المحامي زخور على تحقيق المرأة لإمكاناتها بالتعلّم وتنمية المهارات والعمالة والقضاء على الفقر والأمية، والاهتمام بصحة النساء، وزيادة الإنفاق الحكومي على التعليم والتدريب والتأهيل، وكل ما من شأنه زيادة فرص العمل أمام النساء وتبوّؤ مراكز صنع القرار. كما دعا جميع مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية والمؤسسات المدنية إلى اعتبار قضايا المرأة في سلم أوَّليات عملها ونشاطها، وإيجاد مراكز متخصصة بإيواء وإعادة تأهيل ضحايا العنف من النساء والفتيات في جميع المحافظات السورية. وتنقية المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية من الصور النمطية للمرأة لدى مكونات مجتمعنا السوري على اختلاف مشاربه. وتشجيع وتقديم الدعم لإعطاء صورة أكثر حضارية للمرأة، إذ هي جزء فاعل ومشارك في جميع هموم الوطن بمختلف قطاعاته. وبعد ذلك أعتقد أن القوانين والتشريعات ستكون رافداً للوعي المجتمعي وتأكيداً لدوره وموقفه من المرأة.

وبانتظار ذلك يبقى أن  نأمل من وزارة العدل ألا تكون هذه اللجنة إضافة جديدة للجان سابقة بقيت أعمالها حبراً على ورق..

وستواكب (النور) كل جديد بشأن اللجنة، بأمل أن يتم بالفعل رصد كل القوانين التي تنتهك حقوق المرأة وحقوق الطفل ويتم تداركها.

العدد 1105 - 01/5/2024