لن تكسر ظهورنا

بينما يتهافت المواطنون في الكيان الإسرائيلي لاقتناء الكمامات الواقية من التلوث بالغازات السّامة، تزدحم الأسواق في دمشق لشراء مؤنها من الخبز والطعام، والجلوس في المقاهي وأماكن التسلية تحت ظل القصف والقتل المستمرين، في مشهد سوريالي يظهر تباين مواقف البشر أمام الحدث نفسه. فكلاهما مهددان بالحرب، لكن لكل منهما طريقة للدفاع عن نفسه. منهم من يدافع عن نفسه بالخوف، ومنهم من يدافع عن نفسه بعدم الاكتراث…وعرضت عدة تقارير إعلامية  هذا التباين في ردات الفعل محاولين تفسير ما يجري، ألا يخاف السوريون من الحرب؟ ألا يخافون من الموت؟

ربما بعد أكثر من عامين من الدمار والقتل والخطف في سورية لم يعد هنالك خوف يفوق ما حدث ويحدث كلّ يوم. بعد كل ما انتهك من الدم السوري وما ظهر من تشرذم الأخلاق والقيم في المجتمع الذي كان يدثّر نفسه بلباس الأخلاق والعادات والتقاليد والدين والإيمان، ذلك الثوب الذي ما لبث أن كشف عن جسد مليء بالقيح، وأكثر ما يحتاج إلى النار علّها تطهّر ما بقي منه.

لم يعد هنالك شك بأننا استفدنا من الدرس القاسي الذي عشناه ولم ينتهِ بعد، لمسنا أخطاءنا ومشاكلنا ، تعرّفنا على أنفسنا عندما واجهنا أكثر الأشخاص قرباً منا، بمواقف وآراء لم تكن يوماً على طاولة النقاش، بمواضيع لم نتحدث بها يوماً وبتساؤلات غريبة عن يومياتنا لتكسر كل التابوهات ولتكشف حقائق كثيرة أهمها أننا كنا نعيش بكذبة كبرى أننا كنا بأمان!

لنكتشف لاحقاً وبعد عامين أنه إن لم تكن الأخلاق والقانون هما الداعمَيْن الأساسيين. وبعيداً عن المؤامرات الكونية والماسونية وجميع التحليلات السياسية، ما كان لهذا البلد أن يصل إلى هذه المرحلة لو أنه كان يتمتع بقضاء عادل وبأخلاق لا تنتظر الثواب والعقاب.

 لكن إذا نظرنا إلى النصف المليء من الحالة التي نعيشها، فسنتمكن أن نتلمس أيضاً تغييراً جذرياً في طريقة تفكيرنا وتعلّقنا وارتباطنا بالوطن، لنجد أيضاً مجموعات من الشباب والشابات يتكاتفون للعمل بكل ما لديهم من قوة وإخلاص لأجل وطنهم، متحررين من كل القيود التي همّشتهم يوماً ليتصدروا الصورة السورية القادمة، محاولين تجديد الدم الذي حان الوقت لتغييره بدم نظيف مؤمن بوطن لن ينقذه سوى القانون والقضاء العادل والإيمان بأن الضربة التي لا تكسر الظهر ستقويه.

العدد 1105 - 01/5/2024