المنافسة.. هل يحدّها قانون؟

في عالم كثرت فيه المخاطر والأزمات وظهرت فيه تحديات وتهديدات كثيرة، أفرزتها متغيرات متعددة متسمة بالتغير السريع، في نظام عالمي معقد من التفاعلات والموارد والمكونات والسلع التي تتحرك باستمرار من موقع إلى آخر نتيجة لتفاعل العملية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تظهر بصورة تعاون أو تنافس أو خداع أو تكيف، تعتبر ظاهرة العولمة من أبرز التحديات التي تواجهها المؤسسات الاقتصادية في الدول النامية، مع ظهور دور للابتكارات والأفكار الجديدة أدت إلى ظهور نوع جديد من الملكية هو الملكية الفكرية نتيجة للسياسة التنافسية.

وقد سعى المشرع السوري إلى تنظيم الروح التنافسية وتأطيرها بقصد تحقيق الفعالية الاقتصادية من خلال تسهيلات للانضمام إلى الأسواق سواء كانت سوقاً للسلع أم سوقاً للخدمات، وعمل على إبراز الحقوق والواجبات لكل من يمارس نشاطاً اقتصادياً حتى لا يضرّ ولا يُضَر في علاقته مع الغير والعمل، على أن يكون لكل الأطراف المزايا نفسها، وعمل على قمع جميع الممارسات غير الشرعية، وذلك بتطوير مفاهيم وتشريعات جديدة تواكب التطورات الحديثة والتكنولوجيا. فقد حمى الإبداع والابتكار من خلال براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية وأسرار المهنة، وأيضاً قانون المنافسة رقم 7 لعام ،2008 فقد كان حديث العهد يراعي تداخل سياسة المنافسة والملكية الفكرية، وعالج الحالات المخلة بالمنافسة، فالسياسة التنافسية وفق منظمة التجارة العالمية هي مجمل الحزم والإجراءات التي يمكن استخدامها لترقية الأسواق التنافسية والسلوك التنافسي.

عالج المشرع السوري التنافس من الناحية الاقتصادية وتأثيرها على اقتصاد السوق الحر، وشجع على المنافسة بشرط ألا تؤدي إلى الاحتكار. فالمنافسة سلاح ذو حدين، إما أن تكون بناءة تحقق التقدم والازدهار، أو أن تكون هدامة وهنا تتسم المنافسة بالسمة الاجتماعية لأن الحافز الأساسي هو الحصول على المكافآت المالية مقابل التفوق. وتصبح الحصرية تمارس بشكل غير داعم للتميز والمنافسة وإخفاء ما لديهم من أفكار مبتكرة، وبذلك تنقل المنافسة إلى صراع يعمل كل طرف على تحطيم الآخر والتفوق عليه، والصراع بشكل عام يقوم على الميل العدواني وتغليب مشاعر الغضب وظهور أعراض الكآبة والحزن والانسحاب من المواقف التنافسية وعرقلة وصول الغير إلى هدفه.

  والمشرع السوري لم يعالج المنافسة الاجتماعية التي لا تقل خطراً عن المنافسة  الاقتصادية التي ساهمت بشكل آخر بتصعيد الأزمة السورية، وهذا يشير إلى ضرورة استخدام المنافسة بدرجة عالية من الحذر والمهارة، وتعزيز مبدأ التعاون والتحالف والبحث عن شركاء للتعاون في مواجهة المخاطر والأزمات، فالتعاون يسيطر على هذه التحديات ويضمن توفير الاحتياجات من المهارات والموارد  والخبرة، وإدراج هذا التفكير ضمن التخطيط المستقبلي على جميع المستويات للاستفادة من تكنولوجيا الآخرين، والتعاون معهم من أجل التوصل إلى أفكار ابتكارية جديدة، من أجل البقاء والنمو والوصول إلى مجتمع راقٍ تسوده المحبة والتعاون، وهذا لا يضمنه إلا قانون قوي في كل مجالات الحياة يضمن المنافسة ضمن الأخلاق..

العدد 1105 - 01/5/2024