سورية وروسيا… وسر العلاقة بينهما!

عندما أسمع عن وصول شحنة مساعدات إنسانية، دوائية أو غذائية من روسيا الاتحادية إلى سورية، أشعر كم الفرق كبير بين الصديق الكبير، وبين الشقيق العربي الصغير، الذي يرسل لنا آلاف الإرهابيين والتكفيريين أحفاد أبي جهل وأبي لهب لتدمير سورية.

لقد كانت روسيا منذ ثورة أكتوبر عام 1917 تقف إلى جانب الحق العربي، وتخص سورية بعلاقات حميمة، فروسيا هي التي فضحت اتفاقية (سايكس -بيكو)، ولا تزال الرسائل المتبادلة بين قائد ثورة أكتوبر لينين وإبراهيم هنانو تتحف التاريخ، لذلك فإن روسيا تقف إلى جانب سورية على أساس مبادئها وليس فقط على أساس مصالحها.

في هذه الأزمة التي تمر بها سورية، والتي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً من حيث حجم المؤامرة والأموال التي صرفت والتجييش والتهويش لضرب حصن المقاومة المعادي للإمبريالية الأمريكية والصهيونية والرجعية العربية لكسر صمودها وحرف بوصلتها، (يقال إن الأموال التي دفعت لضرب سورية كانت كافية لشراء وبناء ثلاث دول مثل سورية)!

وقفت روسيا ومعها الصين وإيران ودول البريكس وقفة سيذكرها التاريخ، وستكون نموذجاً يحتذى، لتبرهن للعالم بأنه ليس بالمصالح فقط تبنى العلاقات الدولية، بل إذا اجتمعت المبادئ مع المصالح تكون العلاقات أقوى وأمتن.. فلو كان الموضوع فقط مصالح، فالعروض التي عرضت على روسيا كانت كافية لتؤمن لها مصالحها ومصالح أصدقائها وأكثر، حسبما طرحه ممثلو ما يسمى زوراً وبهتاناً (المعارضة)، وهؤلاء ليسوا معارضة، بل (حفنة عملاء وخونة)، لأن المعارضة من أبرز سماتها أن تكون وطنية وتناضل من أجل الأجمل.

يقال بأن السعودية وقطر عرضتا رشاً بالمليارات للقيادة الروسية، وتدخّل البنتاغون وغيره ممن يعملون في ظلام الأقبية، سواء بالوعيد أو بالتهديد، لثني روسيا عن مواقفها، مقابل الموافقة على أي شيء تطلبه روسيا.. لكن روسيا صاحبة المبادئ والإرث الحضاري والإنساني، رفضت كل المغريات وتمسكت بالقانون الدولي والشرعية الدولية، التي تعترف للشعوب بحق تقرير مصيرها بنفسها دون إملاءات ودون ضغوط من أحد.

عندما كنت أدرس في روسيا، كنت أرى بأمّ العين هذا الحب والاحترام الحقيقي المتبادل بين السوريين والروس، وكانت وما زالت العلاقة بينهما علاقة صداقة وأخوة مميزة عن باقي الجاليات.. وكنت أحياناً أتساءل: ما سر هذه العلاقة الروحية وهذا التشابه بين الشعبين الكادحين؟!

في عام 1999حينما كنت رئيساً لفرع الاتحاد الوطني لطلبة سورية في روسيا، كنا نحيي المناسبات الوطنية والقومية، وكان المشاركون من الشعب الروسي كثراً، وكانت الدعوات عامة، وإني ما زلت أذكر حتى الآن كيف تقدم أحد الحضور وعرّف عن نفسه بأنه ضابط روسي سابق وعضو في رابطة المحاربين القدامى الذين حاربوا في سورية، وقد شارك في حرب تشرين التحريرية وقال: (لقد امتزج دم السوريين والروس في الكثير من المعارك، فهناك عدد من الشهداء الروس سقطوا على الأرض السورية، دفاعاً عنها ضد العدوان الإسرائيلي، وهذا هو وسام البطولة والاستحقاق نلته من السيد الرئيس القائد حافظ الأسد، وهذا شرف وفخر لي)، قالها وعيونه تدمع، وأحسست أنه سوري حتى نخاعه الشوكي.

فكم من العمال والفنيين والمهندسين الروس، قدموا عرقهم ودمهم عندما ساعدونا في بناء سد الفرات وغيرها من المشاريع الحيوية الهامة؟

في المرة الأخيرة التي زرت فيها موسكو، كنت مع وفد جبهوي من الاتحاد الوطني لطلبة سورية، لتهنئة الرئيس فلاديمير بوتين بنجاحه في الانتخابات الرئاسية في عام .2012. هناك رأيت المئات والآلاف من الروس الذين يتابعون الحدث السوري، ويفرحون بكل انتصار يحققه الجيش العربي السوري على الجماعات الإرهابية المتطرفة.

لقد كان اندماج مطلق قل نظيره بين القيادة الروسية والشعب الروسي والمعارضة الوطنية الروسية في الموقف تجاه ما يجري في سورية. مع تطور هذه الأحداث أدركت سر قوة العلاقة بين روسيا وسورية، وفهمت الشرح الذي قدمه لي أحد الشيوعيين القدامى، كبير الأساتذة في جامعة روسيا للصداقة بين الشعوب، عندما سألته يوماً عن سر هذه العلاقة، فقال لي: (المسألة بسيطة، اكتب بالعربية روسيا، وضع تحتها سوريا، وأمعن النظر، ألا ترى أن الأحرف هي ذاتها لكن تختلف بالترتيب، فتش في التاريخ ترى الجواب، فدماؤنا ممتزجة وطباعنا متقاربة وعاداتنا متشابهة).

فعلاً صدقت أيها البروفسور نيكولاي نيكولا يفتش، فهذه الأيام تثبت أكثر من أي وقت مضى كم أنت على حق.. ففي سورية تجد: مكسيم ونتاليا وستالين ولينا ولينين، وفي روسيا تجد: أحمد ومحمد وجورج وطوني وفاطمة وناديا.. وإلخ، صدق المثل القائل (ربّ أخ لك لم تلده أمك). وكما يقول أشقاؤنا المصريون: (العالي يبني السد العالي، والواطي يبني السد الواطي).

شكراً لأهلنا في روسيا.. قيادةً وشعباً وجيشاً، شكراً لكل الأحرار والشرفاء والأوفياء في العالم!

العدد 1105 - 01/5/2024