حوار دافئ

سألتني ابنتي الصغيرة (نتاليا)، التلميذة في الصف الرابع الابتدائي، بعد أن رجتني أن لا أزعل:

– بابا.. نحن شو؟!

– قلت لها : شو.. شو؟!

– قالت: نحن عرب ولا أكراد..؟ نحن مسلمون ولا مسيحيون؟!

شعرت بالصدمة والحسرة بأن كل تربيتي العلمانية التي حرصت عليها قد ذهبت سدى.

– قلت لها: من أين جئتِ بهذه الأسئلة؟! تدخلت ابنتي الأكبر (نور)، وهي في الصف السادس الابتدائي، قائلة: بابا نحن لم نعد صغاراً.. نحن نعرف كل شيء.. يوجد في بلدنا (أكراد) و(عرب) و(مسلمون) و(مسيحيون)، وكذلك (شيعة) و(سنة) و(كاثوليك) و(بروتستانت). دُهشتُ أكثر.. ولم أصدق ما أسمع وقلت لهن: من أين كل هذا الكلام..؟! من علمكم هذا..؟! فنحن في العائلة لا نتكلم بهذه الأمور ولا بهذه اللغة. قالت ( نتاليا): نعم صحيح نحن في البيت لا نعرف سوى أنك يا بابا شيوعي وتحب كل الناس، وتعلمنا حب سورية وحب الوطن.

قالت (نور): تعلمنا كل هذا من التلفزيون، من الأخبار. وفي المدرسة تسألنا (زميلاتنا): أنتو شو؟!.. وشاهدنا الإرهابيين المجرمين كيف قتلوا الأطفال والنساء والشيوخ في اللاذقية وإدلب وحلب وحمص. ثم تابعت وعيونها تدمع، هل سيقتلوننا يا أبي؟!.حزنت كثيراً وقلت: لا تخافي يا ابنتي إذا قتلونا فلن يقتلوا سورية كلها.. ستبقى سورية قوية شامخة ترفض الذل والخنوع والإملاءات وتبقى الحصن الحصين للمقاومة وضد المشاريع الأمريكية والصهيونية المشبوهة في المنطقة. نحن يا بنتي مثل ما قال الشاعر: (نحن حبات البذار…نحن لا ننمو جميعاً عندما يأتي الربيع (الربيع الحقيقي).. بعضنا يموت من هول الصقيع، ويموت بعضنا في ظلام الأقبية، وتدوس بعضنا الأحذية.. غير أنّا لا نموت جميعنا..).

– قالت نور: يا بابا هذا الكلام جميل، لكن ألم تسمع كيف شقّ الإرهابيون بطن الحامل وأخرجوا جنينها وذبحوه، وقالوا.. الله أكبر..؟! ألم تسمع بذلك الطفل الذي شووه على النار مثل الفروج وهو حي، وهم يصيحون ويهللون ويكبرون..!؟، ماذا فعل هؤلاء الأطفال والنساء لهم يا أبي لكي يقتلوهم؟!

تتحمل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية مسؤولية كبيرة، سواء في البيت أم في الأسرة أم في الحي. مسؤولية في رفع الوعي وترميم الجروح ومسح الدموع وإعادة الثقة بالمجتمع ونبذ كل ما هو دخيل على مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا، واحترام كل المعتقدات والأديان وحمايتها وضمان حرية العمل السياسية تحت سقف الوطن ونشر ثقافة المواطنة واحترام كرامة المواطن وتوسيع الديمقراطية، ومكافحة الفساد المالي والإداري والأخلاقي، وإعطاء دور أكبر للإعلام لتسليط الضوء على كل ما هو وطني وحضاري ومشرق في مجتمعنا، وفضح كل ما هو ظلامي وسيئ وفاسد ودخيل جديد على قيمنا ومفاهيمنا.

– أيقظتني نتاليا من شرودي: بابا.. بابا، نحن نحبك ونحب سورية، وين شردت..؟!

– قلت لها: يا بابا أنا واثق بأن سورية سوف تكون أجمل بوحدتنا الوطنية، بتنوعنا بهذا الموزاييك الجميل الأصيل وتراثنا الثائر والمقاوم، من أيام الشهيد يوسف العظمة والشيخ صالح العلي وحسن الخراط وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وغيرهم و غيرهم.. إلى كل شهدائنا الذين رووا بدمائهم أرض سورية الحبيبة لتزهر حباً وسلاماً وأماناً، وتبقى قلعة للصمود والتصدي وعاصمة للمقاومة وقبلة لكل الشرفاء والمناضلين والأحرار في كل بلاد العالم.هيا بنا نغني:

– يسعد صباحك سورية.. صبحك حلو.. عاشق أنا وعشق الوطن ما أجملو.

العدد 1105 - 01/5/2024