كيف نحوّل الصّراع داخل الأسرة إلى تعاون؟!

نعيش اليوم في الشّارع السّوريّ، تحديّاً كبيراً يمسُّ الطّفولة، ويعمل على انتزاع الأمان والاستقرار من قلوبهم، الأمر الّذي سيؤدي إلى تدمير الأيادي البشرية الّتي ستعمل على بناء سوريّة في المستقبل. لقد نشأ لدينا جيل عنيد، يمتلكه الخوف والذّعر، يرفض تحمّل مسؤوليته؛ لديه ميل إلى التّخريب وإتلاف الأشياء، يبقى السّؤال: ما هو الأسلوب الصّحيح للخروج بأولادنا بأمان من هذه الأزمة، قدر المستطاع، لكي يتمكّنوا من بناء سوريّة في الأيّام القادمة؟!

أوّلاً، علينا أن ندرك كآباء ومربين أنّ لكلّ شخص نمطاً أو أسلوب تعلّم خاصاً به، معرفتنا بهذه الأساليب ستساعد على تحويل الصّراعات الّتي تحدث داخل الأسرة أو داخل مراكز الإيواء أو حتّى داخل المدارس إلى تعاون وتواصل بنّاء.

ما هي أنماط التّعلّم الّتي توّجه كلّ شخص؟!

1. السّمعي: يمكن التّعرف على الشّخص السّمعي من حاجته إلى التّكلّم، وقدرته العالية على الإصغاء.

2. البصري: الشّخص المرئي يستطيع التقاط أيّ مفهوم باستخدام صورة أو رسم توضيحي، فإذا كنت بحاجة إلى استخدام مخيلتك لتجسيد فكرة ما، فاطلب المساعدة من الشّخص البصري.

3. الحسي/ الحركي: يتمتع بقدر كبير من الطّاقة، من الممكن استغلال الرّوح النّشيطة الّتي لا تهدأ للشخص الحركي بأن يُطلب منه إدارة المسؤوليات، كي يبقي جميع أعضاء المجموعة في حركة دائمة.

4. التّحليلي: من الممكن الاعتماد على الشّخص التّحليلي في تحديد نقطة البداية لأي مشروع، فلديه القدرة على النّظر إلى الموقف بأكمله، ثمّ يلجأ إلى تقسيمه إلى أجزاء صغيرة يسهل التّعامل معها.

5. الشّمولي: الشّخص الشّمولي هو أفضل الجميع في استيعاب فكرة ما بشكل عام، ثُمّ القيام بترجمتها إلى لغة يستطيع الجميع أن يفهمها.

6. العيني التتابعي: هذا الشّخص قوي فيما يختصّ بالتّنظيم والتّفاصيل، ويستطيع أن يكتشف سريعاً مقدار الوقت الّذي يتطلبه تنفيذ مشروع ما، ومن بين مواهبه قدرته على أن يأخذ فكرة رائعة من شخص ما ويحوّلها إلى منتج ملموس وعملي.

7. المجرد التتابعي: يمكن لهذا الشّخص أن يكون مرجعاً رائعاً لفحص المعلومات وتوثيقها، ويمكنه أن يبذل الوقت والجهد لبحث وتقييم المعلومات والتّأكد من صحّة الحقائق، وصدق المصادر وأصالة القيم.

8. المجرد العشوائي: لديه إحساس فطري بحاجات ومشاعر الآخرين، وهو موهوب في صنع السّلام، فهو يبحث عن طرق وأساليب لإسعاد جميع أعضاء الفريق، كما أنّه يجسد التّلقائيّة والمرونة حتّى في أصعب الظّروف.

9. العيني العشوائي: هو شخص حالم، تراه دائماً يحلم بالمستحيل، لديه قدرة عالية على بث روح الحماس وتحفيز المجموعة، يحبّ البحث دائماً عن مغامرات جديدة في حياته.

وبإدراكنا كآباء ومربين لأنماط التّعلّم، علينا أن نعي بوضوح أنّ اللّه سبحانه وتعالى خلق في كلّ طفل حبّ الاستطلاع والميل إلى الحلّ والتّركيب، كوسيلة للتعرّف على الحياة من حولنا، وهذه الميول تكون قوية لدى الطّفل، فنراه يندفع بطريقة فطرية للتعرّف على ما حوله، فيقلّد الآخرين بعملهم، ويستكشف ويسأل من حوله من الكبار، وكلّ ذلك بهدف الشّعور بالأمن والطّمأنينة في كل جديد لم يعتده من قبل. ومن أوّل الأشياء الّتي يتعامل معها الطّفل في عالمه هي الأشياء الماديّة أو المحسوسة، فيقوم بلمسها وتفحّصها، وإن أمكن بفكّها ويقسّمها إلى أجزاء ليتعرّف عليها، أو قد يقذف بها إلى الأرض، أو يضربها بالأرض بهدف التّعرّف إلى ما قد يحدث لها، وهو بذلك يقوم بتجارب مثله مثل العالم الّذي يقوم بتجارب عديدة ومختلفة ليكتشف مادّة جديدة، أو كالطّبيب الّذي يكتشف جرثوماً جديداً فيجري عليه التّجارب ليكتشف مضاداً له. وعندما يقوم الطّفل ببعض التّجارب الطّفولية مع ما حوله من محسوسات قد يتلفها أو يخربها أو قد يلحق الأذى بنفسه فيجرح أصبعه أو قد يقع إلخ… هو بذلك لا يقصد الإتلاف أو التّخريب ولكنّه يقصد التّجريب، بهدف التّعرف على الحياة وأسرارها، ذلك التّعرف هو الّذي يُشكل شخصيته ويطورها.

ما الّذي حدث لهذه الطّاقة الكبيرة الموجودة لدى أطفالنا وأين ذهبت؟!

يولدُ الطّفل ولديه ميل كبير للاستطلاع والمعرفة، ولكن بتعاملنا السّلبي معه ونهرنا المستمر له، خوفاً من أن يؤذي نفسه أو من أن يتسخ المنزل، نقتل لديه حبّه للمغامرة والاكتشاف، لذلك يلجأ إلى الأشخاص الخطأ ليمنحوه ما حرمه منه والداه، ولكن التّعويض يكون بأسلوب خاطئ، لذلك نرى اليوم في الشّارع السّوريّ، أطفالاً يحملون أسلحة، أطفالاً يقومون بتركيب مواد سامّة وقاتلة ويفتخرون باستعمالها، إلخ. ما هو الحلّ الأنسب لتصحيح سلوك هؤلاء الأطفال، وإبعاد بقية الصّبية عن التّورط بمثل هذه المشاكل؟!

بالدرجة الأولى علينا (كآباء ومربين) الابتعاد عن معاقبة الأطفال على عبثهم، لأنّهم يلجؤون إلى ذلك لإشباع حاجات النّموّ العقلي لديهم، وتوجيههم بشكلٍّ إيجابيّ، بمنحهم فسحة صغيرة ليشاركونا بها في العمل: تقطيع الخضار وملاحظة تغيير شكلها، حرث التّربة، وملاحظة الحشرات الصّغيرة الّتي بداخلها والتّعرّف على فوائدها، تربية حيوان ومراقبة التّغيّرات والتّطورات الّتي تطرأ عليه، التّمييز بين الأنواع المختلفة للنباتات، من الممكن أن يقوموا بفك جهاز حاسوب قديم للتعرّف على أجزائه ومن ثمّ إعادة تركيبه، من الممكن التّعرّف على محرك سيّارة قديم والمساعدة في تركيبه أو التّفكير بطريقة لتركيب محرك جديد، إلخ.

الأفكار السّابقة هي مقترحات بسيطة للخروج بأطفالنا قدر الإمكان بأمان من الظّروف الّتي عاشوها والاضطرابات والخوف الّذي زُرع بقلوبهم، فالعمل هو وحده القادر على إعادة طفولتهم الّتي سُلبت منهم، والمقصود بكلمة العمل، أن يشعر الطّفل بقدرته على الإنتاج، وتوجيه الطّاقة الّتي لديه لعملٍ نافع مفيد، عوضاً عن تسكعه في الشّوارع والتّسوّل، الأمر الّذي يؤدي إلى حمايتنا قدر الإمكان للأيادي الصّغيرة الّتي سيقوم على عاتقها بناء مستقبل وطننا سورية.

العدد 1104 - 24/4/2024