ملاحظات على قانون الاتجار بالبشر

إن هذا القانون هو خطوة متقدمة في التشريع السوري، فيجب أن تكون المبادئ الأساسية فيه هي المبادئ التي تُعتمد في أي تشريع اجتماعي، فهو لم يعتمد التمييز إطلاقاً على أساس الدين أو الجنس أو غيرها بل اعتمد مبدأ المواطنة، ومبدأ حماية الضحية ومعاقبة المعتدي. وهذا ما يشكل الأساس الرئيسي لمعنى ومبرر وجود الدولة الحديثة.

وإن العقوبات القاسية التي حددها، والتي تصل إلى سجن لا يقل عن سبع سنوات وغرامة أقلها ثلاثة ملايين ليرة، ستشكل بداية للحد من هذه الظاهرة ولخلق خوف للراغبين في سلوكها، لاسيما أن غالبية الحالات الماضية لم تسجل ولم يكشف مرتكبوها مع وجود شبكات دولية لها، ومن الضروري زيادة التعاون الدولي والرقابة على المطارات والحدود البرية في إطار التعاون مع الإنتربول والشرطة الدولية.

لكن هذه العقوبات، رغم أهميتها، غير كافية، لأن الأرباح الخيالية المسجلة تجعل من الملايين الثلاثة رقماً صغيراً وبسيطاً.

و من الواضح أن المشرع لم يحدد ماهية الأعمال غير المشروعة، وفتح الباب على مصراعيه لاجتهادات الحكام وأهل القانون، كما هو الحال في تحديد الدافع الشريف.. الذي كثرت فيه الاجتهادات واختلفت عليه الآراء.

وعلى سبيل المثال… هل يطول القانون بأحكامه مَنْ يقدم على استقدام العاملات من أصقاع الأرض للعمل خادمات في المنازل والمكاتب (مع تحفظي الشديد على تعبير الخادمات) دون أية ضوابط لكرامة الإنسان أو حريته؟

وكذلك استغلال الأطفال في أعمال شرعية بدافع الجشع وبقصد الكسب المادي، في ظروف فيها امتهان لكرامة الإنسان ومخالفة لأحكام الدستور، وأيضاً عمليات بيع الفتيات الصغيرات تحت غطاء ما يسمى الزواج العرفي .

الموضوع متروك لتقديرات الحكام على ما فيها من تباين.

وبالمقابل ما هو حكم تسليم لقيط بعوض مادي إلى عائلة تبحث عن طفل لتربيته التربية الفاضلة؟ هل يعتبر من قبيل الاتجار بالبشر.. ويعاقب وفق أحكام المرسوم ؟؟

فتحديد مشروعية الفعل يجب أن لا تترك لتقديرات المحاكم، ولابد من ضوابط تأخذ بها بما يأتلف مع أحكام القانون.

يجب التركيز في الإعلام على الأفعال التي اعتبرت من قبيل الاتجار بالبشر:

– الاستخدام الجنسي للطفل بأي من أشكال الممارسة.

– تصوير أعضائه الجنسية.

– عروض الدعارة الإباحية.

ولابد من الإشارة إلى أن ممارسة تلك الأفعال أو أحدها، التي تندرج تحت باب الاعتداء على العرض في قانون العقوبات العام، تشكل جرم الاتجار في حال كانت بعوض وفقاً لأحكام المرسوم، ولكن ما هو الحال لو تمت دون مقابل؟ هل ينجو الفاعل من العقاب؟

من المؤكد أن الأفعال التي لها مساس بالعرض ولا تنطبق عليها قواعد التجريم وفقاً لأحكام المادتين الرابعة والخامسة المذكورتين فإنها تبقى خاضعة لأحكام قانون العقوبات العام.

كما أن سياسة المشرع بموجب المادة السابعة اتجهت إلى تنفيذ العقوبة الأشد، فيما إذا كان الفعل يخضع للعقاب وفق أحكام المرسوم، وفي الوقت ذاته معاقب عليه وفقاً لقانون آخر.

وعلى سبيل المثال: مجامعة قاصر لم يتم الثانية عشرة من العمر، فإن كان بمقابل انطبقت عليه أحكام المادة الخامسة بدلالة المادة الرابعة من المرسوم رقم 3 لعام 2010 التي تفرض عقوبة الاعتقال لمدة لا تقل عن سبع سنوات والغرامة من مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية.

وفي الوقت ذاته نجد أن الجرم يخضع لأحكام الفقرة الثانية من المادة 491 من قانون العقوبات العام، التي تنص على فرض عقوبة الأشغال الشاقة لمدة لا تنقص عن خمسة عشر عاماً، مما يستوجب تطبيق العقوبة الأشد الواردة في المادة 491 عقوبات عام، بدلاً مما جاء في المرسوم.

العدد 1104 - 24/4/2024