الزواج خارج المحاكم

إنها ظاهرة قديمة حديثة تستحق التوقف عندها طويلاً ودراسة أسبابها ومدى خطرها، وهي الزواج خارج دواوين المحاكم، قد يستتبعها أحياناً تثبيت الزواج، وأحياناً أخرى يبقى الزواج خارج إطار التسجيل. فمنذ عقود كان الذهاب الى المحكمة شاقاً أو كانت الظروف صعبة نوعاً ما، لكن أن يستمر الوضع إلى هذا الزمن الذي نعيش فيه، فهنا يجدر بنا أن ندق ناقوس الخطر، لنتحدث عن ظاهرة حقيقية في سورية وليس فقط حالات معدودة، فإن بحثنا عن الأسباب سنتعرف على أسباب واضحة وأسباب أخرى كثيرة غير واضحة، فمن الأسباب المعروفة للزواج خارج إطار المحكمة، الزواج الذي لا يجوز بحسب القانون، كزواج الأطفال، والزواج لأسباب تتعلق بالأوراق الشخصية وعدم اكتمالها..

أما بالنسبة للأسباب غير الواضحة، ففي الواقع الكثير من الناس لا تعطي اهتماماً لتسجيل الزواج في المحكمة، ويعتبرونه مجرّد إجراءات شكلية، في أرض خصبة مشجّعه لهذه اللامبالاة، فيمكن تثبيت الزواج فيما بعد وبأي وقت دون حساب للنتائج السلبية لهذا التأخير، ما يعني المزيد من الدعاوى، والمزيد من الأوراق والمستندات، والأهم من كل ذلك المزيد من أولاد غير مسجلين في دوائر الدولة.. وفي بعض الحالات هنالك أسر متسلسلة غير مسجّلة في دوائر الدولة، فعندما لا يسجّل الزواج يستتبعه عدم تسجيل الأولاد، وبسبب التساهل في هذا الأمر قد يكبر الأولاد ويتزوجون ولا يثبّت زواجهم بالمحكمة، وإن أرادوا تثبيته عليهم البدء بتثبيت زواج الأصل، والمشكلة لا تتعلق فقط بالعرف واللامبالاة والجهل، بل تتعلق أيضاً بتساهل القانون في اتخاذ إجراءات مناسبة بعيدة عن الغرامات تجبر المتزوجين على تثبيت زواجهم في المحكمة، وتسهّل إجراءات تسجيل الأبناء، لتعممه وتخفف الروتين والقلق من الأوراق والشكليات، وتفرض على كل من يقوم بالتزويج (من المشايخ) إشهار ذلك بالمحكمة، ليقع على عاتقه أيضاً إتمام عملية التسجيل، إضافة إلى الزوجين.

لا يخفى أن المشكلة كبيرة وهي تشكّل ضعفاً في بنية المجتمع تتعلق في حسابات عدد السكان والبيانات والدراسات الاقتصادية والاجتماعية، والأهم من كل ذلك هو التعدّي على حق من حقوق الطفل  في أن يكون له أوراق رسمية ووجود في الدولة التي ينتمي إليها، واعتداء على حق الدولة، في الوقت نفسه، في تسجيل مواطنيها في سجلاتها الرسمية، فكل ما هو غير مسجّل رسمياً هو غير موجود قانونياً، لأن الأوراق الرسمية هي الدليل الأساسي على وجود الإنسان، وهذا يحميه ويحمي المجتمع في الوقت نفسه.

لذلك نحن نطالب الحكومة ومؤسساتها بأن تخطو خطوة حقيقية بهذا الاتجاه، بأن تعلن حملة شاملة لتسجيل كل الولادات والزيجات منذ عقود إلى يومنا هذا، وأن تصدر تعليمات صارمة لمنع التجاوزات..

العدد 1104 - 24/4/2024