شبابنا والحياة

الشباب السوري لا ينضب كما النبع النقي الخارج من صلب الأرض المعطاءة. وما يحدث الآن إنما هو خير دليل على قوته وصلابته، وأكثرهم هنا في سورية يعمل ويحاول النجاح رغم كل الصعوبات والألم،  فكم منهم لا يزال يصرُّ على العطاء ولو دون مقابل، فقط لينصروا الحياة على الموت وليحموا تلك الأيقونة (سورية).

في عيادات العمل (جامعة دمشق) عيّنة من تلك الشباب الذين تفتخر العيادات بأنهم متطوعون فيها، كما أنهم يفتخرون بما يتعلمونه ويقطفونه من ثمار عيادات العمل من مهارات وإرشادات ومهنية. تحدثت مع بعض أولئك الشبان السوريين متفاجئة ومعتزة بمعرفتهم، ويكبر قلبي بمحبتهم لهذا البلد الراقي فلا أخاف على بلدي بل أزداد طمأنينة.

آلاء، صبية تخرج من مجتمع محافظ جداً وتدرس شريعة،  تخبرني أنها تريد أن تخترق ذاك المكان العتم من مجتمعها المقيّد، فتحاول أن تُدخل النور إلى حياتها، وفي الوقت ذاته أن تعبّر للآخرين أن لا بد من وجود نور في ذاك العتم فلا يجب أن نحكم على مجتمع بالمطلق. وبالفعل دخلت آلاء كمستفيدة في عيادات العمل، واستمرت كمتطوعة وهي لا تقف عن أخذ المعرفة ومجابهة الفروقات وإيجاد الحلول وتطوير ذاتها وترك بصمتها الخاصة. وتحاول أيضاً أن تدخل فرعاً جامعياً آخر لتوسع دائرة علومها وتعلمها…

حسن ومحمد شابان من كلية الاقتصاد أيضاً دخلاً إلى عيادات العمل وهما مستفيدان، وما لبثا أن صارا من متطوعي عيادات العمل، ذانك الشابان اللذان يريدان أن يقوّيا مهارتهما الحياتية والعملية ليكونا قادرين على مواجهة ظروف البلد الصعبة، فالبلد بحاجة إلى شباب ناضج وواعي ومتسلح بالمعرفة، وهذا ما يفعلانه بالضبط، يقويان نفسيهما، ثم سيكونان مواجهان للغد. كما أنهما يملكان من الخطط الاقتصادية الكثير، وقد درساها بما يلائم الظروف الحالية، وقد قالا لي إنهما مستعدان لأن يعملا الكثير لسورية على أن تعود مزدهرة أكثر من قبل، ولو كان ذلك مجاناً، فكل ما يبغيانه هو أن يجدا من يصغي لهما ليقدما هما مع مجموعة من الأصدقاء تلك الأفكار الاقتصادية السورية…

نور، الشاب القارئ بامتياز،متطوع في عيادات العمل، لا يقف طموحه عند حدود معينة، ويحاول جهده ليكون من الشبان الذين سيكونون نقطة علاّم في سورية، لا لاسمه بل لاسم بلده، فيقول لي إنه سيحاول التّمكّن من علومه ليكون مؤثراً في المستقبل. كما أنه يعمل مع كونه طالباً حتى يكون مسؤولاً عن نفسه تماماً، فالسّوري الأصيل ليس عليه أن يكون عالةً على بلده بل مجدّاً نشيطاً باحثاً عن مستقبلٍ واعد…

غياث، متطوع في عيادات العمل، أيضاً مع معهده الذي يدرس فيه، يحاول أن يجتهد ويدرس ويكبر مسلحّاً بالعلم والعمل والتطوع، فنجده شاباً لا يرضى بالقليل بل يبحث عن التطور دوماً، فبلاده بحاجة إليه في المستقبل القريب، وهو لن يخذلها وسيبقى عند حُسنِ ظنها..

ساندي وميرنا متطوعتان أيضاً في عيادات العمل، الذكاء الذي يتوهج دوماً، والتّطور الذي لا ينضب، والمستقبل الواعد، والطموح الذي لا يخترقه عتمٌ أو يأس… صبيتان سوريتان بامتياز، يتلون بهما المكان، ويزدهر برقبتهما، تقولان بأن سوريتهما الوطن والأم والحماية لن تموت إلا بموت شبابها، وشبابها مصرٌّ على الحياة، وهما جزءٌ من جسد الوطن وسيحاولان جهديهما أن يبثّا الحياة والأمل في هذا الجسد…

كثيرٌ من الشباب المتألق الذي يجعل من سورية (الرّحم المتجدد)، سورية العطاء والمحيط الكبير. لهذا السبب سورية لم تنته منذ زمن بعيد، ولن تنتهي.  لذلك استمر السوري في الحياة والتطور رغم كل الظروف التي ألمّت به، إنه شعبٌ يحبُّ الحياة، شعبٌ يرفضُ الظّلم، شعبٌ يواجه الشّر بالخير، والظّلم بالعدل، والّليل بالنهار، والكره بالحب، شعبٌ سوريٌّ يواجه الحروب والاقتتالات والكسور بالمستقبل والفخر والعزة والضحك والأمل والتخطيط… نعم، سوريّو  اليوم مختلفون عن أيّ مرحلةٍ سابقة، فهم اليوم سيفتخرون بالماضي طبعاً كما كلّ الأجيال الماضية، لكن في هذه المرّة سيحملون أيضاً في ذهنهم المستقبل اللّامحدود والمنّظم والواعد والمحبّ والممتلئً بالحياة المفعمة بالرقيّ، والتّعلم من الأخطاء لا تذكّرها والعيش على أوجاعها، وإثبات الوجود لا الخوف، والابتكار والصناعة لا الاستهلاك، ومعرفة المشاكل مع ايجاد الحلول لا الوقوف على الأطلال….

سورية.. إنّه ألمُ المخاض، فلا تخافي الموت، إنّه ليسَ لك…. انتظري ساعات الألم،  لأن المولود هو سوريٌّ أصيل، سوريٌّ يستحق العناء، يستحقٌّ المستقبل والحياة…

العدد 1104 - 24/4/2024