حكومة «التوافق» الوطني الفلسطيني ودلالاتها

أدت حكومة التوافق الوطني الفلسطيني اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقادة فصائل المقاومة، يوم الثاني من شهر حزيران، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله.

وجاء تشكيل هذه الحكومة إثر الزيارة التي قام بها عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومفاوضها، إلى قطاع غزة قبل أيام قليلة من الإعلان عنها، وقبل أيام قليلة أيضاً من انتهاء المدة الزمنية التي اتفق عليها وفد المنظمة مع حركة حماس في زيارته التصالحية إلى قطاع غزة نهاية شهر نيسان الماضي.

وأسندت رئاسة هذه الحكومة إلى رامي الحمدالله، رئيس الحكومة الأخيرة في رام الله، فيما تشكلت من 17 وزيراً يشغلون 20 حقيبة وزارية، إضافة إلى تعيين أمين عام لمجلس الوزراء بدرجة وزير. وضمت حكومة التوافق هذه ثلاث سيدات وثماني وزراء من حكومة الحمدالله الأخيرة، بضمنهم وزير الخارجية، كذلك 4 وزراء من قطاع غزة، واحتفظ رئيس الحكومة بحقيبة الداخلية، وظلت مسألة وزارة الأسرة معلقة ما بين متابعتها من قبل رئيس الحكومة، أو تشكيل هيئة حكومية معنية بها.

وتفاوتت مواقف القوى والفصائل الفلسطينية من تركيبة هذه الحكومة، ما بين تأكيد حركة فتح أنها حكومة توافق منوط بها مهمات أساسية، اتفق عليها في سياق التفاهم الفلسطيني – الفلسطيني الأخير في غزة، وترحيب الناطق باسم حركة حماس بتشكيلها. واتخذت الفصائل الأخرى مواقف متباينة تجاهها ما بين وصفها بحكومة (تكنوقراط) إلى حكومة محاصصة تضم (مستقلين) من حركتي فتح وحماس، مروراً بأنها تمثل تعديلاً حكومياً لحكومة الحمد الله الأخيرة.

وإذ اكتفت الإدارة الأمريكية بالإعلان عن ترقب موقف هذه الحكومة تجاه الالتزامات الفلسطينية بعملية السلام، أعلنت إسرائيل عن أن تشكيل هذه الحكومة هي (يوم أسود في مسيرة السلام)، وركزت في تصريحات مسؤوليها على مواقف حركة حماس وضرورة اعترافها بإسرائيل، في الوقت الذي أكد فيه الرئيس عباس أنها حكومة انتقالية مهمتها الأساسية تتلخص في الإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، إضافة إلى معالجة الأوضاع الفلسطينية الاقتصادية والحياتية المباشرة، وتوفير حاجات أبناء الشعب الفلسطيني، وأنها ملزمة كسابقاتها من الحكومات الفلسطينية بالتزامات السلطة الوطنية الفلسطينية بالاتفاقيات التي وقعتها، وبالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأنها تمثل خطوة كبيرة على طريق وحدة الوطن، وإنهاء الانقسام الذي ألحق أضراراً كارثية بالقضية الوطنية الفلسطينية طوال السبع سنوات الماضية. وبالرغم من أنها حكومة تكنوقراط (مستقلة) غاب عنها رموز الحركات والقوى الفلسطينية وممثلوهم، فإنه ينظر إليها بوصفها حكومة مؤقتة، ضمت العديد من الوزراء القريبين من فصائل معينة، وأنها أنهت وجود حكومتين، بإقرار الحالة الفلسطينية عموماً وحركتي فتح وحماس خصوصاً: الأولى في رام الله، والثانية مقالة، لكنها كانت تواصل عملها في قطاع غزة.

كما ينظر إليها بوصفها حكومة معنية أولاً وقبل أي شيء آخر بالتحضير للانتخابات الفلسطينية التي يفترض أنها ستشكل قطعاً مع الانقسام واحتكار التمثيل لصالح هذا الفصيل أو ذاك.

وأقرت الحكومة فور تشكيلها بالمهمات المنوطة بها، وفي الصدارة منها متابعة أوضاع الفلسطينيين في جناحي الوطن، وكيفية معالجتها وظيفياً ومهنياً، وأن مهمتها الوطنية الرئيسية تتلخص في الإعداد للانتخابات التي طال انتظارها وتجاوزت مدتها القانونية بسنوات عديدة، وهذا يفترض إجراء انتخابات مجلس تشريعي جديد، يمثل خطوة على طريق تشكيل حكومة وطنية فلسطينية استناداً إلى نتائج هذه الانتخابات، كذلك خطوة أخرى انتخابية مكملة تتلخص في انتخاب مجلس وطني فلسطيني يمثل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، على طريق إصلاح أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية وهيئاتها ومؤسساتها، وفي الصدارة المجلس المركزي واللجنة التنفيذية.

فالحكومة الفلسطينية، سواء كانت (توافقية) أو (تكنوقراط) أو (مستقلة) يتركز عملها على متابعة مهماتها بوصفها حكومة معنية بأوضاع الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية عام 1967 الاجتماعية والاقتصادية والحياتية اليومية.. في الوقت الذي تعود فيه مسؤولية الشعب الفلسطيني في عموم مناطق وجوده، وفي المقدمة مسألته المتلخصة في البرنامج السياسي، إلى حركته الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، كذلك مسألة المفاوضات وعموم إشكاليات المسار التفاوضي الفلسطيني.

وهذا ما يعفي حكومة (التوافق) القائمة من التعاطي مع الشأن السياسي، وبخاصة التفاوضي، لأنها حكومة جزء من الشعب الفلسطيني وليس كله، وأن المرجعية السياسية الوطنية للشعب الفلسطيني، عنوانه منظمة التحرير الفلسطينية التي تتمثل في مؤسساتها التشريعية والتنفيذية فصائل العمل الوطني الفلسطيني، ويفترض أن تشكل خطوة كبيرة نحو التوافق الفصائلي على أطر المنظمة وهيئاتها بتركيبتها القادمة، فالعديد من الفصائل هي حالياً خارج إطار المنظمة لأسباب مختلفة، وبعضها لا يتعاطى مع الحكومة الفلسطينية القائمة، ولا مع سابقاتها، بوصفها إفرازاً لاتفاقيات أوسلو، فيما تتوافق كل فصائل العمل الوطني على أهمية منظمة التحرير الفلسطينية وتمثيلها.

حكومة (توافق) مؤقتة ينتظر منها أن تشكل خطوة هامة نحو إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وأن تمثل نقلة على طريق إعادة بناء المنظمة لتمثل كل قوى العمل الوطني الفلسطيني وفصائله، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد، والعنوان الأوحد لحل القضية الوطنية الفلسطينية المتمثلة في الدولة الوطنية المستقلة وحق العودة وتقرير المصير.

العدد 1105 - 01/5/2024