عن التقدم ونقيضه

يقول المثل الصيني (إن كل شخص يملك مفتاح الجنة، لكن الطامة الكبرى هي أن المفتاح ذاته يفتح أبواب جهنم). لكن رغم أن هذا المثل يعبر بقوة عن واقع الناس والأمم إلا أن الواقع السوري يتحدث عن أشخاص يمتلكون مفاتيح الجنة، لكنهم يحتفظون بها في جيوبهم، بينما تدور بينهم الأحاديث حول تقاعس الناس عن فتح أبواب النعيم وكأن الأمر لا يعنيهم.

لعل أكثر المواضيع تداولاً في مجالس السمر والندوات الثقافية هو موضوع التخلف وإرهاصاته وانعكاساته على واقع الأمة وتداعياته المستقبلية، وهنا يعرّف التخلف بأنه ببساطة التأخر عن ركب الحضارة الذي تسير في طليعته دول معينة تعتبر في نظر البعض نموذجاً يقاس بحسبه تقدم الدول وتخلفها، رغم أن هذه الدول قد تتقدم في مجال ما وتتأخر في ميادين أخرى، ويسجل لهذا التعريف محاولته التماس المظاهر الحضارية التي وصلت إليها الشعوب للخروج من مستنقع الجهل الذي تقع فيه بعض دول العالم الثالث. لكن هذا التعريف يصبح عديم الفائدة عندما يتحول إلى أداة للتنظير ليس غير، ويستخدم مشجباً تعلق عليه المشاكل بانتظار من يعالجها، فيتحول جميع المواطنين إلى التشخيص دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة العلاج وتكاليفه، وهنا يمكن تعريف التخلف بأنه تخلف عن أداء المسؤوليات تجاه الأخطاء الموجودة والتراجع عن الاضطلاع بالواجبات ورميها باستمرار على الآخرين، وهو تخلف لا يقل شأناً عن التخلف عن أداء الخدمة العسكرية، ولئن كان هذا الأخير يضر بأمن البلد الخارجي، فإن الآخر يسري في المجتمع سريان الصهباء بالرأس ليتم تنويمه شيئاً فشيئاً. ولهذا النوع من التخلف أدواته التي تضمن له ديمومته:

أما الأول فهو الانكفاء عن طريق تهويل المشكلة لجعلها أكبر من قدرة الشخص المعني على الإتيان بشيء حيالها، والافتراض مسبقاً أن أي محاولة للحل سيتم إجهاضها من قبل ألوف مؤلفة من الجهلة الذين يتربصون لوأد أية بادرة تصدر لتخليصهم مما هم فيه، وهذا النوع من الانكفاء يعطي راحة للضمير، يهدئ البال ويجنّب الإنسان سبل التغيير الشديدة الوعورة.

أما الأداة الأخرى فهي إلقاء المسؤولية على رجال الدولة من نواب ووزراء وجعلهم القوامين على الشعب والقادرين على انتشاله من براثن الجهل وغياهب التخلف، فإذا قيل إن المحافظة على النظافة هي من شيم الأمم المتحضرة، يقال إن على مجلس الشعب إصدار تشريع بهذا الخصوص، وإذا قيل إن القراءة هي الباب الذي عبرت من عتباته كل الشعوب المتقدمة، يقال إن كلمة السر هي عند وزارة التربية، وهكذا يمكن رد كل مشكلة من المشاكل إلى الوزارة المختصة، وهذه الأداة تملك ميزة أخرى إضافة إلى تأثيرها المخدر هي كونها موضوع أغلب الأحاديث التي تجمع السوريين في أماسيهم.

فهل سنبدأ باستخدام مفتاح الجنة؟ أم أننا سننتظر حتى يتغير القفل، وعندئذ سنرتاح راحة أبدية؟!

العدد 1105 - 01/5/2024