الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم: ننظر إلى المستقبل وننطلق باتجاهه بمزيد من التصميم والثقة بأن المستقبل ملك للشعب ولا أحد غيره

أدى السيد الرئيس بشار الأسد بتاريخ 16 تموز 2014 القسم الدستوري، وتوجه بعد ذلك بخطاب شامل إلى السوريين تنشر (النور) مقتطفات مما جاء فيه:

سنوات مضت منذ صرخ البعض للحرية، فكنتم الأحرار في زمن التبعية..وكنتم الأسياد في زمن الأجراء.. زايدوا عليكم بالديمقراطية فمارستموها بأرقى صورها.. ورفضتم أن يشارككم غريب إدارة الوطن.. فاخترتم دستوركم وبرلمانكم ورئيسكم.. فكان الخيار خياركم والديمقراطية من صنعكم.

شعب غيّر صمودُه كل المعطيات، فتغيرت معها الظروف والوقائع.. تبدلت مواقف.. وتراجعت أخرى.. سقطت مسميات.. واندثرت تحالفات.. انقسمت مجالس وتفتتت هيئات.. عادت البوصلة واضحة عند كثير ممن غابت عنهم الرؤية.. جهلاً أو تضليلاً.. وانكشفت الوجوه القبيحة على حقيقتها بعد أن سقط عنها قناع الحرية والثورة.. لتُعمل أنيابها في الجسد السوري قتلاً وتدميراً وأكلاً للقلوب والأكباد ونحراً للرقاب وقطعاً للرؤوس.لم يتركوا وسيلة قذرة إلا واستخدموها.. لم يتركوا طريقاً شاذة أو منحرفة إلا وسلكوها.. وفشلوا.

وتابع السيد الرئيس:

ساعات قليلة خرجتم فيها تعبرون عن رأيكم وتظهرون قوة إرادتكم.. كانت كفيلة بمحو كل التزوير والإرهاب النفسي والمعنوي الذي مورس على سورية لسنوات.. لم تكن تلك الانتخابات مجرد عملية سياسية إجرائية، كما هو الحال في أي مكان في العالم.. بل كانت معركة كاملة الأبعاد.. سُخّرت كل المعارك الأخرى من أجل ربحها..فبالنسبة لأعداء الوطن كانت السبيل الذي انتظروه لنزع شرعية الدولة.. وإظهار الشعب السوري بمظهر الضعيف المتفكك غير القادر على حكم نفسه.. ليخلقوا بعدها مبررات التدخل الخارجي بذرائع مختلفة.

وأشار السيد الرئيس إلى دور إمبراطوريات السياسة والإعلام والنفط قائلاً:

لقد كانت الانتخابات الرئاسية لكثير من السوريين كالرصاصة التي يوجهونها إلى صدور الإرهابيين ومن وراءهم.. ملايين الرصاصات أطلقت وأصابت واستقرت في صناديق الاقتراع..وأثبتت أن كل إمبراطوريات السياسة والإعلام والنفط لا تساوي شيئاً أمام موقف وطني نقي صادق.. وأن كلامهم وتصريحاتهم لسنوات لا تصمد ساعات أمام شعب موحد حر كريم.. وأعلنت أن كل أولئك مجتمعين مع إرهابهم وإرهابييهم لا قيمة لهم ولا مهابة.. هم قادرون على إلحاق الأذى والضرر لكنهم غير قادرين على النجاح.. قادرون على تهديدنا لكنهم غير قادرين على إخافتنا.

وحيا الرئيس شهداء الوطن:

لقد سيجوا بدمائهم الطاهرة حدود البلاد ووحدوا بجراحهم آلام السوريين وآمالهم.. وصاغوا ببطولاتهم أعظم معاني القوة والصلابة.. وانطلاقاً من كل ذلك فإن الدولة لم ولن تألو جهداً بردّ ولو جزء يسير من جميل هؤلاء.. لعائلاتهم وأولادهم.

وأكد السيد الرئيس سيادة سورية الوطنية  قائلاً:

إن الحرب التي تخاض ضد الشعب السوري حرب قذرة.. وبالرغم من كل الظلم والآلام التي أصابت كل بيت في سورية.. وبالرغم من كل الدماء والدمار لم يقرر هذا الشعب الاستسلام أو الخنوع.. فنحن شعب تمنحنا قسوة الظروف المزيد من الصلابة.. وتدفعنا الضغوطات إلى المزيد من التحدي.. ونواجه محاولات الإذلال بالمزيد من الأنفة والكرامة والعزة والثقة بالنفس.. وها نحن اليوم ننظر إلى المستقبل وننطلق باتجاهه بمزيد من التصميم والثقة بأن المستقبل ملك للشعب ولا أحد غيره.. فهذه البلاد التي مر عليها الغزاة منذ فجر التاريخ قبل آلاف السنين.. حتى غادرها المستعمر الفرنسي قبل أقل من سبعة عقود.. ما زالت هي سورية الحية.. القادرة على الصمود والبناء وإعادة استنباط الحياة من رحم المصائب..

لهذا الدور استُهدفت وتُستهدف سورية، فما يجري من عدوان لا يستهدف أشخاصاً أو حكومات كما بدا للبعض في البداية بل يستهدف بنية الوطن ودوره وتفكير أبنائه لتحويلهم في نهاية المطاف إلى قطعان تقاد عن بعد.. وإلهائهم بصراعات لا تنتهي.. تمتد لأجيال.. بدلاً من الانشغال بطموحاتهم الوطنية وتحقيق الازدهار وما يعنيه ذلك من قوة المجتمع والدولة.

إن الغرب الاستعماري لا يزال استعمارياً.. فالجوهر واحد وإن اختلفت الأساليب.. وإن كان الغرب وإمْعاته من الحكومات العربية قد فشلوا فيما خططوا له.. فهذا لا يعني على الإطلاق توقفهم عن استنزاف سورية كهدف بديل.. يحقق الأهداف الأساسية نفسها التي خططوا لها على المدى الأبعد.. ومع كل أسف بأياد سورية باعت وطنها.. ولم تبع شرفها لانها لا تمتلك شرفاً من الأساس. ومنذ بداية الأحداث حذرنا بأن ما يحصل هو مخطط لن يقف عند حدود سورية بل سيتجاوزها منتشراً عبر انتشار الإرهاب الذي لا يعرف حدوداً..

وأضاف السيد الرئيس:

أليس ما نراه في العراق اليوم وفي سورية ولبنان وفي كل الدول التي أصابها داء الربيع المزيف من دون استثناء.. هو الدليل الحسي الملموس على مصداقية ما حذرنا منه مراراً وتكراراً… وقريباً سنرى أن الدول العربية والإقليمية والغربية التي دعمت الإرهاب ستدفع هي الأخرى ثمناً غالياً..وسيتفهم الكثيرون منهم متأخرين وربما بعد فوات الأوان أن المعركة التي يخوضها الشعب السوري دفاعاً عن وطنه تتجاوز ساحاتها حدود الوطن إلى الدفاع عن كثير من الشعوب الأخرى التي ستتعرض عاجلاً أم آجلاً للإرهاب نفسه..

وعن الحل السياسي للأزمة السورية أوضح السيد الرئيس:

المصالحات الوطنية لا تتعارض ولا تحل محل الحوار الوطني الذي بدأته الدولة مع مختلف القوى السياسية والحزبية والفعاليات الاجتماعية، وستستمر به بانفتاح تجاه كل الأفكار.. فهو الأشمل ولا يرتبط بالظروف الراهنة التي تمر بها البلاد.. بل هو حوار حول مستقبل الوطن وشكل الدولة في كل المجالات دون استثناء.. ويناقش فيه كل ما يرتبط بالأزمة أو لا يرتبط بها.. ما سبقها أو ما نتج عنها.

وإن كانت الدولة قد مدت يدها للحوار مع الجميع منذ بداية الأزمة.. فاليوم وبعد هذا الاختبار الوطني القاسي والغالي الثمن.. فإن هذا الحوار لا يشمل القوى التي أثبتت عدم وطنيتها.. فتهربت من الحوار في البدايات.. راهنت على تغير الموازين.. وعندما خسرت الرهان قررت تغيير دفة الاتجاه كي لا يفوتها القطار.. وتلك القوى التي ادعت الوطنية والخوف على البلاد في الوقت الذي حاولت بمواقفها إعطاء الغطاء للإرهابيين مقابل وعود أو أموال أتتهم من الخارج..أما القوى العميلة علناً فلا نحاورهم كسوريين بل كممثلين للدول التي يدينون بالولاء لها وينطقون بلسانها.

لقد أثبتت الأزمة حقيقة العيش المشترك بين السوريين.. وفندت الطرح الخبيث حول الحرب الأهلية الذي طرح لكي يغطي حقيقة أن ما يحصل هو عدوان من الخارج بأدوات داخلية..وما استخدامهم اليوم لمصطلح الحرب الأهلية لوصف ما يحصل في سورية إلا محاولة لإعطاء الإرهابيين غطاء شرعياً كطرف في خلاف بين السوريين أنفسهم، وليس كأداة خسيسة بيد الخارج.. فالحرب الأهلية لها شكلها من خطوط فصل جغرافية واضحة بين الطوائف والأعراق أو غيرها من المجموعات المتناحرة.. وانعكاسات خطوط الفصل هذه نراها على شكل انفصال بين المكونات في كل زاوية من المجتمع..وتكون نتيجته انهياراً كاملاً للدولة والمجتمع..فهل هذا ما نراه في سورية؟! لا يمكن أن يكون لدينا حرب أهلية وانقسام حقيقي والجيش موحد والمؤسسات موحدة والشارع موحد والناس مع بعضها في السوق والمطاعم..هذا عبارة عن وهم.. هذا ما أرادوا إقناعنا به.. الواقع هو العكس.. فلقد تجاوزنا حتى فكرة العيش المشترك التي كانت سائدة قبل الأحداث..إلى بداية الاندماج الكامل بين السوريين..

وأشار السيد الرئيس إلى مستقبل سورية قائلاً:

إن انطلاقنا باتجاه المستقبل لا يتم من دون التعامل بشفافية مع جذور ما يحصل في الحاضر..فبمقدار ما أثبت هذا الشعب وطنيته..بمقدار ما كان مؤلماً ومخجلاً وعاراً أن يكون جزء منه ولو قليل هو الجذر الذي استندت إليه هذه الحرب..والذي لولاه لما كان ممكناً دخول الإرهابيين الأجانب أو التدخل الأجنبي السياسي أو الاقتصادي أو العسكري في سورية، وحتى مجرد محاولة المساس بسيادة البلاد.

وشدد الرئيس على ضرورة مكافحة الفساد بالقول:

إن مكافحة الفساد بحاجة للسير على أكثر من محور بشكل متزامن.. الضرب بيد من حديد على كل فاسد تثبت إدانته.. وهذا صحيح وضروري.. لكن عندما تضرب فاسداً قد ينتج المجتمع عشرات غيره.. أكثر حنكة ودهاء ممن سبقه ليحتال أكثر على القانون فلا يُكشف ولا يُعاقب.. عندئذ سيكون الزمن في هذه الحالة بمصلحة الفساد والفاسدين.

فإذا كان الحساب يأتي في قمة هرم مكافحة الفساد فهذا لا يعني أنه وحده كاف.. وفي وسط هذا الهرم يأتي دور الإصلاح الإداري في مؤسسات الدولة، الذي يتم على مراحل منذ سنوات، وهو موضوع واسع وتدريجي وهو علم قائم بحد ذاته ولا شك بأن الأزمة أخرت من السير بهذا المحور..

فلتكن مكافحة الفساد هي أولويتنا في المرحلة القادمة في مؤسسات الدولة والمجتمع ككل.. دعونا نضعها أولوية ليس أمام المسؤول فقط، بل أمام كل فرد فينا.. لينتقل كل واحد فينا من مجرد الحديث عنه إلى العمل الحقيقي لمواجهته.. لنضربه من الجذور بدلاً من هدر الوقت في تقليم الفروع.

وفي الشأن الاقتصادي أكد سيادته أولوية إعادة الإعمار:

هذا بحد ذاته قطاع واسع جداً يشمل بفوائده كل الناس والشرائح دون استثناء، وينعكس إيجاباً وبقوة على القطاعات الاقتصادية الأخرى التي لن تستعيد عافيتها دون إعادة الإعمار.. نعم أيها السادة إن إعادة الإعمار هو عنوان اقتصاد المرحلة المقبلة.. وسنركز جميعاً جهودنا على هذا الجانب مع العمل بشكل متوازٍ على ترميم كل القطاعات الأخرى التي ستكون مكملة وداعمة لإعادة الإعمار.. وأركز هنا على الأعمال الحرفية والصناعات الصغيرة والمتوسطة التي يمكن لها أن تنمو بشكل سريع وكبير.. وأن تخلق فرص عمل بوقت قياسي نسبياً.. إضافة إلى استمرار التركيز على دعم القطاع العام والزراعي كقطاعين استراتيجيين.. كانا ولا يزالان يشكلان الرافعة الأساسية للاقتصاد السوري ومن أهم عوامل الصمود خلال الأزمة الحالية.

وعندما نقول إن إعادة الإعمار هو اقتصاد المرحلة المقبلة.. لا يُفهم من كلامنا الانتظار حتى انتهاء الأحداث.. علينا أن نبدأ من اليوم.. وقد بدأت الدولة بالفعل بإصدار التشريعات والقوانين التي تشجع وتسهل البدء في الاستثمار في هذا المجال..

وأوضح السيد الرئيس مركزية القضية الفلسطينية بالقول:

من يعتقد أنه يمكن لنا العيش بأمان ونحن ننأى بأنفسنا عن القضية الفلسطينية فهو واهم، فهي ستبقى القضية المركزية استناداً إلى المبادئ والواقع وما يفرضه هذا الواقع من ترابط بين ما يحصل في سورية وما يحصل في فلسطين، وخاصة أننا كلنا نعرف أن سياسات العالم والمنطقة بما يخص هذه المنطقة وخاصة الدول العربية ترتبط بشكل أساسي بما يحصل في فلسطين.. هذا يتطلب منا أن نميز تماماً بين الشعب الفلسطيني المقاوم الذي علينا الوقوف إلى جانبه وبين بعض ناكري الجميل منه.. بين المقاومين الحقيقيين الذين علينا دعمهم والهواة الذين يلبسون قناع المقاومة وفق مصالحهم لتحسين صورتهم أو تثبيت سلطتهم وإلا سنكون بشكل واعٍ أو غير واعٍ نخدم الأهداف الإسرائيلية التي تسعى إلى تمزيقنا أكثر وإلى إيهامنا أن أزماتنا اليوم محلية منعزلة.. عندما نصدق هذا الوهم بأن أزماتنا اليوم محلية منعزلة وغير مرتبطة بما يحصل في فلسطين فلا شك بأننا سنأخذ القرارات الخاطئة وستكون الحلول قاصرة والنتيجة فشل في معالجة أي مشكلة تمر بها دولنا.

وفي ختام كلمته حيا السيد الرئيس الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية، وشكر إيران وروسيا والصين هذه الدول التي احترمت قرار الشعب السوري وإرادته طوال ثلاث سنين، ودافعت بحق عن مواثيق الأمم المتحدة في احترام سيادة الدول وعدم التدخل بشؤونها الداخلية.

العدد 1107 - 22/5/2024