غوطة دمشق.. لا تقتلوني مرتين!

تسيطر على الغوطة الشرقية ومدنها (الجبهة الإسلامية) بقيادة الإرهابي زهران علوش، وهي تضم عشرات الفصائل المسلحة. اتبعت هذه الجبهة نمطاً مرعباً في التعامل مع المخالفين لسياستها.. فأصدرت قوانين فرضتها على الناس تتعلق بواجباتهم الدينية والدنيوية، وافتتحت عشرات السجون المرعبة، أشهرها سجن التوبة، ولم تتورع عن إعدام المخالفين وقتلهم وخطف الناشطين السلميين (رزان زيتونة ورفاقها)، وإبادة الكثير من الأبرياء. مارست الجبهة العنف والسلب تجاه مواطني الغوطة، ولم تتورع عن قتل الشيوخ وتهديد الكثيرين غير المؤيدين لها، وقتل اليساريين (منهم: محمد فليطاني، عدنان وهبة)، وكل أصابع الاتهام توجه إلى هذه الجبهة باعتبارها الجهة المسيطرة على المنطقة.

منذ بداية آذار 2011 انتشرت ظاهرة إلقاء جثث من يقتلونهم من (المؤيدين للنظام) في شوارع مدينة دوما، لترسيخ حالة الرعب الهائل لدى كل من يفكر في انتقادهم والتمرد عليهم.

أتقن الإرهابي زهران علوش فن الخداع، مستثمراً الدين ستاراً لأفعاله، وزع بعض العطايا، حتى يقنع الناس بصواب سياسته. بعض المريدين شبّهوه بالمهدي، شكّل في كل مدن الغوطة وبلداتها مجالس تتبع له، وتأتمر بأوامره، ولم تستطع هذه المجالس إنجاز أي عمل هام يتعلق بحياة الناس.. الإرهاب ديدنه في التعامل مع البشر، ومحاصصة الغنائم همّه الدائم، بحسب أقوال الكثيرين ممن عرفوه.

حصار.. وغلاء وجوع!

منذ سنة أحكم الجيش العربي السوري حصاره على الغوطة، وقطع جميع الطرق المؤدية إلى داخلها، قاطعاً خطوط الإمداد للمسلحين، ومنع الدخول والخروج منها وإليها، وتدريجياً صار الحصار خانقاً، وأرخى بنتائجه السلبية على المواطن المسكين أولاً وأخيراً.. فمعظم المواد الأساسية مفقودة، وإذا توفر منها شيء، فالغلاء مرعب، وهم يشمل جميع المواد الأساسية، وكذلك الدواء، لكن المسلحين لم ينقطع عنهم شيء، ولهم طرقهم الخاصة في تأمين حاجاتهم (الجدول)!

نظرة سريعة إلى الجدول (أسفل الصفحة) تظهر مدى المعاناة الشديدة للمواطن والفوارق الهائلة بين حياة المسلحين وحياة المدنيين.. لا يوجد رب أسرة يأكل مع عائلته وأطفاله إلا بعد انتهاء أطفاله من الأكل.. الجوع يلف الغوطة لفاً.. ينتشر كالطاعون.. تظهر علامات الجوع في الأجساد العارية (جلداً على عظم).

الواقع الزراعي والخدمي والمعيشي.. مؤلم مرير!

في الغوطة الشرقية أكثر من 30 مليون شجرة مثمرة، صارت معرضة لليباس، لا يستطيع الفلاحون سقاية الأراضي ولا استثمارها، بسبب الغلاء المرعب للمحروقات.. ومما زاد الطين بلة، أن المجموعات المسلحة سرقت التجهيزات المتعلقة بخطوط الصرف الصحي (الراجع والذاهب) إلى المحطة، فلم يعد هناك (راجع) يستفيد منه الفلاحون، إضافة إلى أن المواطنين اضطروا للتحطيب، لتأمين التدفئة وغيرها من الاستخدامات، فقُطعت الأشجار المعمرة (زيتون، تين، جوز)، ولم تسلم أشجار الجزر المنصّفة في الشوارع، التي زرعتها الدولة. والثروة الحيوانية سُحقت واندثرت، بسبب القصف وعدم وجود أماكن آمنة لمربي الأبقار، وتشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 80% من الثروة الحيوانية لم تعد موجودة، ووصل سعر كيلو الحليب إلى 300 ل.س.

أما في المدن، فمنذ أكثر من سنتين، لا وجود للكهرباء ولا الماء ولا الهاتف ولا المستشفيات ولا خدمات الدولة.. فلجأ الناس إلى استخدام العربات القديمة في التنقل وصارت الطنابر هي الوسيلة الوحيدة المتاحة للفلاحين، أما المسلحون فيتبخترون في شوارع المدن بسياراتهم الحديثة، موشحة بالأعلام السوداء والشعارات الدينية.. شوارع المدن تفيض بالأوساخ والقمامة، ولم تستطع (الهيئات المدنية) المشكّلة إنجاز أي عمل كانت تقوم به البلديات السابقة (حين كانت الدولة موجودة هنا). كما أن الفساد ينخر بهذه الهيئات، ويكثر تبادل الاتهامات وسرقة المساعدات الآتية من وراء الحدود.. محلات بيع السلاح منتشرة، وكذلك مكاتب الصرافة لا يخلو شارع منها.. إضافة إلى المخدرات.. ولا تخلو المدن من أماكن للدعارة، وصار منظراً مألوفاً انتشار المتسولين (نساء، وكبار في السن، وأطفال).

عزلة.. وفتاوى!

ثلاث سنوات ونيف كافية لكشف الأكاذيب.. شعر المواطن في الغوطة بمدى الخداع الذي تعرض له، بل يجري اليوم تحريضه على قتال (داعش) وفق (الواجبات الشرعية)، كان الدين الحنيف ستاراً لمجموعة هائلة من الأكاذيب غسلت أدمغة الكثيرين هنا في الغوطة الشرقية.. لا يوجد إعلامي رسمي، ولا غير رسمي، أولاً لعدم وجود الكهرباء، وثانياً في ظل فتاوى تحرّم متابعة الإعلام الحكومي، وتؤكد أن ما حدث كله بلاء من الله وامتحان، وما على المؤمن إلا الصبر، والآخرة هي الفضلى.. وأن الدنيا دار تعب، وأن الله كتب على المؤمنين القتال!

اليوم يرنو المواطن بحنين إلى الماضي القريب على الرغم مما كان فيه من مساوئ، يحلم بعودة تلك الأيام، أيام (النظام الفاجر القمعي)، أيام الوفرة والخير والكهرباء والمشفى والخدمات والأمن والأمان.

أرهبوا الناس، لدرجة أن عامل النظافة برأيهم هو مخبر للسلطات، أفرغوا المدن من كل غريب، واستولوا على ممتلكاته.. تطويل اللحى أصبح من ملامح المؤمنين.. عزلوا الناس عن كل ما يمت إلى المدنية بصلة، وعبؤوه بقيمهم المزيفة.. فرضوا الحجاب حتى على الطفلة الصغيرة، لا توجد حياة عادية.. فأكثروا من العبادة والدعاء لله! المشايخ هم قادة المجموعات المسلحة، وهم يعرقلون أي جهد أو عمل يوصل إلى هدنة أو تهدئة.

انتفاضات

المجموعات المسلحة أصبحت تبحث عن بدائل وموارد، فلم تجد غير جيوب المواطنين، فأصبح رؤساء المجموعات تجار دم وحروب.. ويتندر الناس على بعض القادة بأسماء متهكمين على أصحابها، ينظر الناس إليهم بكراهية ولسان حالهم يقول: مادام المسلحون قادرين على تأمين السلاح وإدخاله إلى المدينة، فلماذا لا يستطيعون إدخال الطعام ومستلزمات الحياة اليومية للمدنيين؟!

قام الأهالي بعدة انتفاضات ضد (الهيئة الشرعية) في دوما، لكنها قُمعت بشدة واعتقل المئات.. استولى المنتفضون على مراكز الإغاثة ومقرات الهيئة الشرعية، ورأوا فيها العجب العجاب من المواد التموينية والطعام وغيرها!

مواطنون.. سكان.. دروع مدنية

المجرم زهران علوش لم يستطيع إطعام طفل جائع.. لم يهتز ضميره للجوع في مدن الغوطة، ولا لمناظر الدم والقتل.. لقد حوّل مشفى دوما إلى بؤرة للكلاب الشاردة، مشفى دوما كان يقدم خدماته لمليون إنسان مجاناً. قسم العناية المشددة فيه كان من أفضل الأقسام في سورية، كانت الدولة تدعم المشفى بمئات الملايين سنوياً. لقد سرق من المشفى تجهيزات طبية بمئات الملايين.. أطلق النيران على الهاربين من جحيمه.. تمترس وجماعته بين المدنيين وبين السكان وجعلهم دروعاً بشرية، معرضاً إياهم للموت كل لحظة، مارس كل أنواع النصب باسم الدين، مستغلاً طيبة الناس وسذاجة البعض.. أخيراً يدعو ويقود الشباب والأطفال لقتال (داعش) وبوجوب شرعي أهم من قتال النظام.. وهو الذي حرم هؤلاء من الدراسة.. لقد جلب المقاتلين الأجانب لقتال النظام، ثم انقلبوا عليه، بعد مبايعة البعض لداعش، فجن جنونه، فـ(داعش) تملك المال والسلاح.. البساط يسحب من تحته، لم يهتز ضميره لأحوال البشر البائسة، اهتز ضميره لمنافسة (داعش) لسلطاته على الغوطة.

الويل والثبور وعظائم الأمور

في أواخر عام 2012 أعلن زهران علوش مناطق الغوطة التي انسحب منها الجيش السوري مناطق محررة، وشكل هيئات مدنية بديلة، ومارس (جيش الإسلام) بقيادته سطوته على هذه المناطق، وقصف الكثير من المناطق المدنية المحيطة الواقعة تحت سيطرة الدولة، وقصف مستشفيات البيروني والشرطة والضاحية والأحياء القريبة من خطوط التماس، وأخذ زهران وجماعته ينددون بالنظام لحصاره مناطق الغوطة. والسؤال: مادمت تحررت، فلماذا تطلب من النظام إمدادك بالغذاء والدواء؟ علماً بأنه لم يتورع عن سرقة المساعدات الدولية للمنطقة، وملأ الدنيا صراخاً، حول ممارسات الدولة ومنعها إدخال المواد التموينية. وزيادة في إرباك الدولة، أدخل (النصرة) إلى عدرا العمالية، وأسر المئات من الأطفال والنساء والشيوخ منها، فأيّ شرع يهتدي به؟ ويعد جيش الإسلام في مدن الغوطة بقيادة المجرم زهران علوش، العائق الأكبر، في إجراء المصالحات الوطنية، بل إنه فوق ذلك قتل رموزاً وطنية كانت تسعى في اتجاه المصالحة الوطنية، كما حدث في حرستا. معظم سكان الغوطة دون استثناء يريدون العودة والسكان المحليون يريدون الخلاص.. وهذا ليس في مصلحة المتطرفين الفاسدين حقيقة من طرف الفصائل المسلحة، ولا في مصلحة بعض الأطراف المستفيدة مادياً في السلطات الحكومية، لكن الواضح جداً هو أن المسار العام للدولة في اتجاه المصالحة الوطنية.

المصالحة الوطنية في الغوطة

يتطلع المواطنون في الغوطة إلى إنجاز مصالحة وطنية، وهي تعني فيما تعنيه:

1- عودة أكثر من مليون ونصف مليون مواطن إلى بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم في الغوطة الشرقية.

2- عودة الدولة لممارسة دورها، وبالتالي عودة الحياة لمرافقها وخدماتها.

3- تجنب دمار هائل إضافي للبنى التحتية والبنى الخاصة.

4- الإفراج عن آلاف المعتقلين والمخطوفين وعودتهم إلى بيوتهم.

5- فتح طرق للغوطة، وإدخال الغذاء والدواء والمواد الضرورية، والأهم هو حماية أرواح الأبرياء من استمرار الوضع النازف.

6- معالجة آلاف الجرحى والمعوقين، نتيجة الأحداث المأسوية.

7- عودة الأمن والأمان، وهو مطلب الجميع.

كل ما سبق لا يقنع الفصائل المتطرفة الجهادية، ولا يعنيهم في شيء، وقد رفعوا شعار إما إسقاط النظام أو الشهادة.. طبعاً ذلك يعني فعلياً إسقاط المجتمع والدولة، وبقاءهم طليقي الأيدي يعبثون بالبشر والثروات.

.. دور الدولة

إننا من منطلق الحرص الوطني، ننظر إلى الدولة من منطق أنها دولة، لا يجوز أن تتصرف بعقلية إقصائية، وليس مقبولاً أن تفرض عقوبات جماعية ردعية، وحريّ بها أن تنظر إلى المواطنين في الغوطة نظرة دولة إلى كل مواطنيها وأن تستعيدهم، وهذا يتطلب أن تبدأ إجراءات الثقة، وهي على درجة عالية من الأهمية:

1- فتح طريق على الأقل للغوطة ومدنها، وأن يكون غير مذلّ للمواطنين.

2- السماح للمواطنين بإدخال حاجاتهم الغذائية والدوائية وعدم ابتزازهم.

3- من حق الدولة ومن واجبها اتخاذ إجراءاتها الأمنية لحماية المدنيين.

كلمة أخيرة

رفض المعارضة المسلحة المتطرفة للمصالحات ينبع من أنها تُفقدها الامتيازات التي حققتها خلال سنوات الأزمة، فهناك مسلحون يرغبون في إنهاء الأزمة إذا تلقوا ضمانات تتعلق بسلامتهم، أما تجار الدم والحروب فيعرقلون مسارات التسوية.. ويمكن القول إن (الإبر المقوية) انتهى دورها، وفقدت صلاحيتها، وأموال آل سعود والخليج فقدت بريقها مع لمعان أسماء جهادية جديدة، وانحسر الحاضن الشعبي للمسلحين انحساراً واضحاً.. والوضع الميداني على الأرض بدا واضحاً جداً، وآفاق تطوره النسبي لصالح الجيش العربي السوري.

لم ولن يتحرر شعب إلا بفصل السياسة عن القداسة، وصار الكثيرون مقتنعين بأنه لا خلاص لسورية إلا بإقامة دولة مدنية علمانية ديمقراطية لجميع أبنائها.

أسعار بعض المواد الضرورية للحياة اليومية في الغوطة الشرقية:

المادة

السعر (ل.س)

المادة

السعر (ل.س)

البطاطا

800

زيت بلدي (ليتر)

1800

البندورة

700 -800

زيت ذرة للقلي (ليتر)

1200

باذنجان

900 – 1000

المازوت (ليتر)

2000

رز

1000

البنزين (ليتر)

4000

سكر

1000 – 1200

لوح بوظ (20 سم* 75سم)

1900

خبز شعير( 700 غ)

700 -800

صحن بيض

3000

خبز قمح (1000 غ)

1500

حمّص (كيلو)

800

برغل

900 – 1000

عدس (كيلو)

900

أسطوانة غاز فارغة

500

أسطوانة غاز مملوءة (إن وجدت)

35000

 

العدد 1104 - 24/4/2024