أطفال الشوارع.. هل تجاهلهم القانون؟

تعتبر ظاهرة أطفال الشوارع  ظاهرة وقتية وشاذة وتظهر في أوقات الضعف والخلل الاجتماعي، كالاحتلال والحروب التي تفكك الأسرة، وقد أصبحت هذه الظاهرة مشكلة متعلقة إقليمياً وعالمياً وتطورت إلى ظاهرة تفرض نفسها وتستقطب اهتمام المعنيين بالتنمية البشرية وحقوق الإنسان، وبات اصطلاح (أطفال الشوارع)  معروفاً في أدبيات التنمية البشرية، وهو من أهم القضايا لتداخل أبعادها الانسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية باعتبارها تهدد استقرار أي مجتمع، وهي من أهم الظواهر الاجتماعية الآخذة في النمو لا على مستوى  البلدان النامية فقط وإنما أيضاً في الدول الصناعية المتقدمة. وهي قضية مجتمعية بامتياز فهم فئة واعدة مهملة ضاعت حقوقها لسبب أو لآخر، وهي بكل الحسابات والأحوال ليس لها دخل في ما وقع عليها واتخذت لها موطناً غير آمن ومستقراً تتعرض فيه لأنواع قاسية من التجارب التي يتجسد فيها الفقر والحرمان وانعدام العاطفة والقسوة المجتمعية والإهمال المتعمد مما ينعكس على وعيهم وأخلاقياتهم وضمائرهم، فيفقدهم الوازع ويصنع منهم مارقين ومنحرفين ومجرمين في سن مبكرة ويجعل مستقبلهم أشد خطراً وقساوة على المجتمعات وعلى أنفسهم، وهذا ما عملت عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ومنظمة العمل الدولية واليونيسف.

وقد عملت الدولة السورية أيضاً على اجتثاث هذه الظاهرة سابقاً بسنن القوانين والتشريعات، مثل قانون الأحداث الجانحين والتسول، وكذلك بمعالجة السلوكيات المنحرفة والمتجددة التي تكسبها هذه الفئة، لإعادة دمجهم في المجتمع ليكونوا لبنة صالحة من اللبنات التي تقوم عليها الدولة، وذلك بممارسة دورها الوقائي والعلاجي والاحترازي بمواجهة ظاهرة تشرد الأطفال وأسبابها، وتمثل ذلك بقيام الدولة باتخاذ إجراءات مثل مكافحة الفقر، توفير فرص عمل، استقرار مادي، مكافحة التفكك الأسري والطلاق، ودعم الأطفال الأيتام وإيواء فاقدي الأبوين، وإنشاء المدراس والاهتمام بالتعليم عموماً، وتجريم التسرب المدرسي، وإنشاء هيئات ومؤسسات اجتماعية ومراكز إصلاح تقوم على مكافحة هذه الظاهرة لإيداع المتشردين دور التشغيل.

كانت غاية المشرع السوري حماية المجتمع التي تستوجب تفعيل كل هذه الإجراءات التي تهدف لحماية أطفالنا من الانحراف، فقد عرف قانون الأحداث الجانحين السوري الحدث بأنه: ذكر أو أنثى لم يتم الثامنة عشرة من عمره. وبحسب هذه القانون فإنه لا يلاحق جزائياً الحدث الذي لم يتم العاشرة من عمره حين ارتكاب الفعل، وإذا ارتكب الحدث الذي أتم العاشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره أية جريمة فلا تفرض عليه سوى التدابير الإصلاحية المنصوص عليها في هذا القانون.

ولكن في ظل الظروف الراهنة والأزمة التي يمر ها بلدنا، أصبحت ظاهرة أطفال الشوارع سمة أساسية لشوارعنا وأحيائنا فتغيّب الجهات المعنية وتقصيرها (من جهات إدارية وضابطة عدلية وشرطة الأحداث) أدى إلى تفشي هذه الظاهرة وخلق مشاكل كثيرة نتيجة لقلة الخبرة والاستعداد لإبداء سلوكيات يعاقب عليها القانون (مثل الإدمان والتسول والاستغلال الجسدي والأعمال المنافية للتقاليد والآداب والأخلاق العامة)، نتيجة حرمانهم من إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية والعاطفية والإحساس بالإهمال والدونيّة وعدم انتباه الآخرين لهم،  مما يساهم في انفصالهم انفصالاً تاماً عن مجتمعهم يفقدهم الانتماء وحب الهوية والوطن، وهذا ما يشكل لى الحدث الاستعداد للعنف والعنف المضاد لفرض السطوة والتعبير عن الذات، فعلى الجهات المعنية في ووزارة العدل والشؤون الاجتماعية والمجتمع المحلي أن تعي أن التشرد والضياع المبكر يساوي صعوبة السيطرة على الموقف مستقبلاً، لتهديده الأمن العام والسلم الاجتماعي،  وعليها معالجة هذه الظاهرة فكرياً وتشريعياً بتعديل قانون التسول وتفعيل مكاتب التسول والتشرد، وحض وسائل الاعلام على تسليط الضوء على هذه الظاهرة ككارثة اجتماعية مثل بقية الكوارث الطبيعية، وإنشاء مراكز لتلقي الشكاوى من أطفال الشوارع، وهذا ضمن الظروف الراهنة لمساعدة هذه الفئة المحرومة المشردة التي تشكل وحدها الأخطار والتهديدات الوقتية والمستقبلية على مجتمعنا، والقيام بالعمل اللازم لاستيعابهم بحيث يمكن إعادة تأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع وإكسابهم الخبرات والمهارات التي تعينهم على تأدية أدوارهم الطبيعية بوصفه جزءاً هاماً من التركيبة الإنسانية والاجتماعية التي وكل إليها عمارة الأرض.

 

العدد 1105 - 01/5/2024