سوق العمل

لسوق العمل طرق كثيرة وأبواب متعددة تسمح للشباب أن يدخلوها ويعبروا من خلالها نحو مستقبل كبير ومستقل، ليحققوا إنجازاتهم الخاصة وبصمتهم الإبداعية، وبتطبيق دراستهم بشكلها العملي بالتساوي مع طريقتهم الخاصة، هذا هو المفهوم العام والمفترض. أما الواقع السوري فيقول إنه ليس من الضروري على الشاب السوري أن يجد عملاً مرتبطاً بدراسته، لكن عليه أن يعمل بأي عمل يجده فيكسب قوت يومه. وطبعاً برأيي فإنه من الطبيعي أن يعمل الشاب خلال دراسته بأي عمل يؤمّن مصروفه الخاص ويساعده ليبدأ خطواته الأولى بعد التخرج، لكن ليست من المعقول أن يترك تعب سنوات علمه كلها فيتحول لطريق آخر تماما خلال العمل، لأنه وببساطة لا توجد شــــــــــواغر تخص شهادته.

عن هذه الظاهرة قالت ل. ل. التي تخرجت من المعهد الهندسي – اختصاص بيئة: إنها ومن قبل أن تتخرج سجلت بدورات عديدة تخص مجال دراستها، وطورت مهارات موازية في حال وجدت عملاً يتطلب تلك المهارات، لكنها بدأت تبحث عن عمل لم تجد مكاناً يخص اختصاصها أصلاً، ومن حينها بدأت تبحث في مكان آخر، وهي ومنذ عشر سنوات تقريباً تعمل في مجال السياحة، ولكنها إلى الآن لم تجد نفسها هناك.

وقالت روز أ. عن الموضوع نفسه: سجلتُ برغبة حقيقية فرع الآثار في جامعة دمشق، وكان لي ولع بما يخص الآثار والحفريات والتاريخ وما شابه، وبعد التخرج شاركت في الكثير من حملات التنقيب الغربية التي كانت تأتي إلينا لتنقب وتعمل، وكان عملي بشكل شبه مجاني. كنت أستغرب حينها أن هناك الكثير من الخريجين المولعين مثلي بالآثار مستعدون أن يقوموا بالكثير من الأعمال، لكن المنقبين الغربيين هم المسؤولون الأوائل عن الإحاطة بكل عملية التنقيب. لكن عندما تنتهي مدة العقد الذي أشاركهم به أعود أدراجي فلا أجد عملاً يخص شهادتي، فتنقلت كثيراً وبحثت كثيراً حتى اقتنعت أني أبحث في سراب ولأؤمن مصروفي عليَّ أن أعمل بأي مكان، وفعلاً أنا الآن أعمل في مركز دورات لغة.

وهـ. ش يقول إنه سجل في المعهد الهندسي فأحب هذا الفرع نوعا ما وتوظف على أساسه، وفي الوقت نفسه أحب أن يتابع علمه فدرس إدارة أعمال، لكن الشهادتين لم تؤمنا له عملاً يليق بخبراته وشهاداته وطموحه، فاستقر بالوظيفة الروتينية، إضافة للعمل كمندوب في شركة مبيعات علها تحاكي نوعاً بعض دراسته.

وبالنسبة لي شخصياً تخرجت من الأدب الإنكليزي، وتوجهت للعمل بمجال التسويق في شركة تسويق ومبيعات، والآن أعمل في مركز عيادات العمل مدربة واستشارية. لكنني وجدت الرابط بين كل ما عملت ودراستي، فاللغة كانت السلاح الذي أحمله لدخولي لأي عمل، والأدب ساعدني أكثر في تنمية مهارات الكتابة، وأما عملي في التسويق والمبيعات فصنع شخصيتي وأدخلني عالم الأعمال والسوق بطريقة أو بأخرى، وأهلني بعدها لأكون مدربة لورشة تأسيس مشاريع صغيرة في عيادات العمل، فتجعلني أضع خبرة السنوات بين أيدي المستفيدين، أما الدورات التي ساهمت فيها فهي دورات بمجال التسويق في حينها، وهنا دورات في تدريب المدربين لأصبح مدربة معتمدة، وفي اختبار تمهيد لأصبح استشارية مهنية. لكنني ورغم الربط بين كل تلك المجالات، فأنا لا أعمل في شهادتي الأساسية، وربما أيضاً قد نسيت مهارات اللغة.

هذا هو الحال هنا في بلدنا، فليس من الضروري أن تدخل الفرع الذي تحب، وإن دخلت فرعاً ما فليس من الضروري أن تعمل بما درست. هذه سوقنا في العمل، وأما ما علينا فعله فهو المساهمة في تطوير مهاراتنا، فنصبح قادرين على التأقلم مع أي عمل نكون فيه، وما أعظم طريقة السوريين في التأقلم.

العدد 1104 - 24/4/2024