زواج المعوقين بين تطبيق القانون وتجاوزاته

تحتل قضية الزواج حيزاً مهماً في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، وحقهم في الحياة الكريمة التي كفلتها لهم معظم التشريعات والقوانين في سائر البلدان، والحق في تكوين أسرة.

 وتطور الوعي بأهمية تحسين نوعية الحياة لهذه الفئة من أفراد المجتمع، مع تنوع الإعاقة ودرجاتها (جسدية _ حركية _ سمعية _ بصرية_ عقلية _ كلامية _ لغوية _ توحد وغيرها). إن صاحب الإعاقة إنسان يجب أن يتمتع بكامل حقوقه، وعلى مجتمعه أن يهيئ له الظروف الملائمة ليعيش حياة هادئة كريمة.

وبما أن الزواج حق من الحقوق الإنسانية التي كفلها الدستور والقانون لكل أفراد المجتمع، فقد عرّف قانون الأحوال الشخصية السوري الزواج في المادة 1 بأنه (عقد بين رجل وامرأة تحلُّ له شرعاً، غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل). وقد جاء نص هذا القانون مطلقاً وعاماً لا يتعلق بمؤهلات الإنسان الجسدية، ولم يستثنِ المعوقين من أي حكم من أحكامه، فقط اشترط في عقد الزواج العقل والبلوغ وذلك في المادة 15منه: (يشترط في أهلية الزواج العقل والبلوغ)، وللقاضي الإذن بزواج المجنون أو المعتوه إذا ثبت بتقرير هيئة من أطباء الأمراض العقلية أن زواجه يفيد في شفائه.

وأيضاً نجد أن التشريعات الدولية الخاصة بالمعوقين خالية من أي نص يتعلق بزواج المعوق، ولكن نجد مواد وردت في هذه التشريعات تشير إلى وجوب تمتّع المعوق بما يتمتع به من هو في سنه من غير المعوقين، مما يعني أن للمعوق أن يتمتع بحق الزواج وتكوين الأسرة مثل الآخرين، فالمعوق، كما عرفه قانون المعوقين السوري رقم 34 لعام 2004 في المادة 1 بأنه (هو شخص غير قادر على أن يؤمن ضرورات الحياة الفردية والاجتماعية العادية لنفسه بنفسه، سواء كان ذلك بصورة كلية أو جزئية بسبب قصور خلقي أو مكتسب في قدرته الجسمية أو العقلية).

وفي معرض تقنين حالات الوقاية الصحية نصت المادة 9 من قانون المعوقين على  (منح وثيقة الفحص الطبي للمقبلين على الزواج من أطباء معتمدين لهذا الغرض من قبل وزارة الصحة). وهذه المادة لا تقتصر على المعوقين فقط، فالإعاقة ليست بالضرورة ناجمة عن زواج المعوق، بل قد تكون أيضاً نتيجة زواج غير معوق. ولذلك نصت المادة 40 من قانون الأحوال الشخصية على إبراز شهادة طبية (يقدم طلب الزواج لقاضي المنطقة متضمناً الوثائق التالية: شهادة من طبيب اختاره الطرفان بخلوهما من الأمراض السارية والموانع الصحية للزواج، وللقاضي التثبت من ذلك بمعرفة طبيب يختاره). وأيضاً في حال اللجوء إلى تثبيت الزواج العرفي لعدم إجراء تلك الفحوص، فقد أوجبت المادة 74 من قانون العقوبات عقوبة مشددة: (إذا نجم عن الزواج إعاقة ما)، فهذه القوانين بالرغم من قصورها فهي معطلة، إذ يحصل الزوجان غالباً على تقرير طبي غيابياً وشكلياً، ومن المحتمل أن تحمل هذه الشهادة للزوجين والمجتمع إعاقة جديدة سببها الإهمال والتقصير في حال إصابة المُقْدمين على الزواج بالأمراض الوراثية المحتملة.

وهذا ما يستدعي من الجهات الرسمية إجراءات لضبط حالات الزواج المؤدية للإعاقة، إذا كانت ترتبط بحالات وراثية وخلل جيني، وأيضاً ضبط حالات الإعاقة عند الولادة في المشافي العامة والخاصة والمراكز الصحية، وحفظ نتائج التحاليل الطبية قبل الزواج في ملفات خاصة تضم أيضاً استقصاء التاريخ المرضي والفحص السريري واختلاف زمر الدم، يمكن الرجوع إليها في حال حدوث أي إعاقة لمعرفة سبب الإعاقة.

وهذا ما يوجب أيضاً تعديل المادة 40من قانون الأحوال الشخصية، وتشديد العقوبة في المادة 470 من قانون العقوبات، لأن إضافة إعاقة جديدة هي عبء على المجتمع والأسرة وما يتبعها من انعكاسات سلبية، فزواج المعوق (بالوراثة) ليس حلاً إذا كانت الإعاقة ناتجاً وراثياً أو إعاقة ذهنية، فلا يكفي التعاطف معهم، بل لابد من أساليب تدمجهم بالمجتمع بواسطة مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وإعطاء المجتمع المدني دوره بإيجاد بدائل يستطيع المعوق بها تفريغ طاقاته الجسدية، مادام لا يصلح للزواج.

المعوقون طاقة خلاقة وفعالة لابد من استثمارها حتى لا يتسبب المجتمع بإصابتهم بالانعزالية والإحباط، ويجب تفعيل دور الإعلام بالإرشاد والتوعية بأهمية الفحص الطبي قبل الزواج، للحد من انتشار الأمراض المعدية والتقليل من ولادة أطفال مشوهين أو معوقين، والحد من انتشار الأمراض الاجتماعية لسهولة استهوائهم واستغلالهم في بعض الأعمال غير الشرعية.

وهذا ما يوجب عرض المعوقين على مختصين أو جهة علمية مختصة لبيان مدى صلاحيتهم للزواج تقديراً للقاعدة القانونية (لا ضرر ولا ضرار).

العدد 1105 - 01/5/2024