غلاء المعيشة وغياب عنصر الأمان من أسبابها..

جمعية حماية المستهلك: سن الزواج لدى المواطن السوري سيرتفع نتيجة الأحداث الراهنة

 

أثرت الأحداث الاستثنائية التي تمر بها سورية على مختلف القطاعات وسائر العادات الاقتصادية والاجتماعية، فقد ألقت الأحداث بظلالها السلبية على أسعار السلع والمواد في الأسواق، فجعلتها تلتهب وتثب بين ساعة وأخرى.. واتخذت الحكومة إجراءات عديدة لكبح جماح الأسعار لمختلف السلع وقمع الغش والمتاجرة بقوت المواطن، على الرغم من الكثير من الانتقادات التي وجهت لها.

كلماتنا التالية ستشمل الناحية الاجتماعية ومدى تأثرها بالأوضاع الاقتصادية السائدة.. ومن هذه التغيرات التي طرأت على العادات الاجتماعية ما يتعلق بالعادات الخاصة بالزواج لدى المواطن السوري. فمع ارتفاع أسعار الذهب  إلى درجات جنونية، أصبح المقبل على الزواج يحسب ألف حساب قبل أن يذهب إلى الصاغة لكي يشتري الذهب لشريك حياته.. إضافة إلى تأثير ذلك على طريقة عقد القران الذي كان سابقاً يتم ضمن صالات الأفراح، أما حالياً فإن أغلب حالات الزواج تتم في المنازل وتقتصر على أفراد الأسرتين فقط.

رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني أوضح في تصريحه ل(النور) أن الظروف الصعبة الراهنة أثرت على المستوى الاقتصادي، ولم تستثن الجانب الاجتماعي أيضاً، وذلك للعلاقة الوثيقة بين الطرفين الاقتصادي والاجتماعي، فلا يمكن الفصل بينهما.. فارتفاع أسعار السلع والمواد في السوق من شأنه أن يغيّر العادات الاستهلاكية إضافة إلى العادات الاجتماعية، وتقاليد الزواج تعد جزءاً من هذه العادات.. وعلى الرغم من الظروف الصعبة إلا أن الحياة لا بد من أن تستمر ولكن بتغييرات طرأت على العادات.. فارتفاع أسعار الذهب الذي وصل سعر الغرام الواحد منه إلى 4250 ليرة، جعل الكثير من المواطنين يتوجهون إلى الذهب المقلد، وذلك لعدم قدرة الزوج على دفع تكاليف الذهب الخاصة بشريكته، فلجأ إلى سد هذه الحاجة عن طريق الذهب المقلد. إذ كان خاتم الخطوبة سابقاً لا يكلف 3 آلاف ليرة، أما حالياً فلا يقل سعره عن 15 ألف ليرة، هذا بالطبع لخاتم واحد فقط، فكيف بباقي (الصيغة) كما يقال.. إضافة إلى أن مهر الزواج انخفض كثيراً، فلم يعد بمقدور المواطن، وخاصة ذوي الدخل المحدود، دفع المهر المرتفع، واقتصر على أسعار منخفضة مراعاة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها مختلف المواطنين.

وأوضح دخاخني أن التأثير الاجتماعي للأزمة الراهنة كان كبيراً، فهناك عزوف عن الزواج من الرجال، وذلك خوفاً من عدم قدرتهم على تحمل مسؤولية إضافية نتيجة الظروف الراهنة، وعدم توفر عنصر الأمان، كما أن أسعار المنازل ارتفعت كثيراً. ولا يخفى على أحد أن المسكن أو المنزل كان سابقاً قبل الأحداث الراهنة يشكل عقبة حقيقية وكبيرة في وجه أي شاب يريد الإقبال على الزواج، وذلك نتيجة ارتفاع أسعاره، فكيف الآن؟

 

سن الزواج تأثر لدى المواطن السوري

إن أسعار المواد الأساسية تضاعفت أكثر من 100%، والدخل مازال على حاله، هذا في حال كان لدى المواطن المقبل على الزواج دخل، ويؤ فإن مجمل الأسباب السابقة أدت إلى عزوف الشباب عن الزواج وعدم التفكير به في الوقت الراهن. وبالطبع هذا الأمر له تأثير اجتماعي كبير، لأن ذلك سيخفض من نسب الولادات، ويؤثر على الكثافة السكانية، وعلى تشكيلة المجتمع بشكل عام.

وبات المواطن لا يفكر بدخول الصاغة إلا ليبيع ما يملك من ذهب فقط لا ليشتري، أي ليحول الذهب الذي يملكه إلى ليرات لكي يقضي حوائجه اليومية الكثيرة، وكان دخل الفرد سابقاً كافياً لتغطية إيجار المنزل الذي يريد استئجاره، أما حالياً فدخله لن يستطيع تغطية ذلك، لأنه تآكل نتيجة ارتفاع الأسعار وثبات الدخل على حاله.

ورأى رئيس جمعية المستهلك أن سن الزواج سيختلف كثيراً في ظل الأوضاع الراهنة، فقد كان سابقاً في فترة مابين 1950و1960  يتراوح ما بين سن 17و22 عاماً بالنسبة للشباب، أما بالنسبة للفتيات فإن سن الزواج في ذلك الوقت كان يمتد ما بين 13و17 عاماً. وفي السنوات القليلة الماضية ارتفع سن الزواج لدى الشباب السوري إلى 30و35 عاماً. وقد نجد أغلب الشباب في هذه السن لم يكوّنوا أنفسهم بعد. أما الفتاة فإن سن زواجها ارتفعت أيضاً  إلى 22و23 عاماً، فبنتيجة الأوضاع الراهنة قد يرتفع سن الزواج لدى الشباب السوري إلى ما فوق 40 عاماً.

 

نقترح منح الموظف راتباً شهرياً إضافياً كل ثلاثة أشهر

وأمل دخاخني أن تعمل الجهات الحكومية على مساعدة المواطن في مواجهة موجات الغلاء المتزايدة. وقد اقترحت جمعية حماية المستهلك أن يُمنح الموظف راتباً إضافياً كل ثلاثة أشهر، بمعنى أن تصبح السنة 16 شهراً بدلاً من 12 شهراً من حيث الرواتب، وبالتالي فإن هذا الإجراء قد يساعد المواطن في تأمين احتياجات معيشته ويحرك السوق قليلاً، لأن الأموال التي ستضخ في أيدي الموظفين من شأنها أن تنعكس على السوق، وبالتالي تحريك السوق من الركود.. فلا يخفى على أحد أن الأسعار لم تعد تطاق. فسعر أسطوانة الغاز وصلت في السوق السوداء إلى خمسة أضعاف سعرها الحقيقي، وكذلك بالنسبة للتر المازوت. كما أن المواصلات أصبحت تكلف المواطن الكثير الكثير، وهذا كله يعمل على استنزاف دخل المواطن الذي مازال مصاباً بالجمود والثبات.

وكان أحد الخبراء الاجتماعيين قد أبدى تخوّفه من أن سنّ الزواج لدى الرجال يمكن أن يتأخر بشكل دائم. فحسب بعض الدراسات التي أجريت في سورية، أصبح سنّ الزواج من 30 إلى 40 عاماً، ويمكن أن ترفع تأثيرات الأزمة السلبية التي تمر بها سورية سنّ الزواج إلى أكثر ممّا هو عليه الآن.

كما يرى الاختصاصيون أنّ آثار الوضع الراهن لابدّ أن تبقى في ذاكرة الناس مستقبلاً، وأنّ معظم أفراد المجتمع، خلال هذه الأزمة، خاصةً في المناطق الساخنة، قد سيطر الحزن والقلق على حياتهم، وبات ذلك واضحاً وجليّاً عليهم، ما جعل الزواج، خارج أوّليات أفراد المجتمع، خاصة في المناطق المتوترة.

العدد 1104 - 24/4/2024