هكذا يواجه المواطن أزماته..

هناك مثل شعبي يقول: (على شكل السوق نسوق)، بمعنى: وفق ظروف الحياة نحاول التكيف معها، وهذا مع ما تميز به المواطن السوري خلال الأحداث الاستثنائية التي تمر على سورية. إذ كان الشخصية الاقتصادية الأولى في عام 2011 وفق مجلة (الاقتصادي). وأعتقد أنه سيكون أيضاً الشخصية الاقتصادية الأولى عالمياً في عام ،2012 لأنه استطاع التكيف والتعايش مع الأزمة بشقها الاقتصادي، واستطاع أن يبقي دخله الهزيل على قيد الحياة إلى نهاية الشهر أمام عملقة الأسعار في الأسواق المحلية. وفي حال قام ليحسب بالقلم والورقة، كما يقال، فإن عقله سيصدم بحقيقة واحدة، وهي أن راتبه لن يكفيه لمدة 10 أيام. ولكن المواطن السوري يعيش على بركة راتبه، ولا يدري كيف يبقى صامداً إلى نهاية الشهر.

 

التوجه إلى البسطات وشراء الدوكما..

ومع الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها حالياً، من ارتفاع في الأسعار طال مختلف الخدمات والسلع والمواد وخاصة الغذائية والمحروقات، فإن المواطن السوري غيَّر أسلوب استهلاكه بما يتوافق وطبيعة المرحلة الاقتصادية التي يعيشها، وهذا ما لاحظناه في الآونة الأخيرة. ففي مجال المواد الغذائية والمنظفات وغيرها من السلع توجه المواطن إلى أكثر المناطق رخصاً، واتبع أسلوب الشراء على شكل (دوكما)، أي شراء السلع غير المغلفة والتي تباع بالكيلو أو النصف كيلو وفرطاً كما يقال. ولا يخفى على أحد أن هناك فارقاً في السعر واضحاً بين السلع المغلفة وبين السلع الحرة (الفرط)، وبالطبع في حال عدنا إلى الوراء فإن هذا الأسلوب في الشراء أو الاستهلاك كان متبعاً في أواخر الثمانينيات وفي مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، بسبب ارتفاع الأسعار وارتفاع الفرق بين المنتجات المعبأة وغير المعبأة. وهذا ما يتجدد اليوم، إذ توجه المستهلك إلى الأسواق الشعبية التي تعرض هذه المواد، وأخذ يشتري حاجته اليومية فقط لا أكثر، لا كما كان سابقاً عندما كان يشتري كميات تكفيه لمدة شهر ربما. أما اليوم فهو لا يشتري إلا ما يحتاجه في اليوم، وهذا دليل على ضعف القدرة الشرائية. وبالطبع هذه الحقيقة تثبت وجودها في الشارع، كما أن الكثير من المتابعين، مثل غرف الزراعة السورية، أكدت أن المواطن لم يعد يشتري سوى حاجته اليومية فقط من السلع، الأمر الذي أثر أيضاً على الإنتاج وتصريف المادة المتوفرة. أما عمليات تخزين المواد والسلع الغذائية وغيرها فهي نادرة في أوساط المواطنين، لأن هذه العملية تحتاج إلى سيولة لا يتحملها الراتب الشهري، وإن فعلها المواطن فذلك خشية من ارتفاع أسعارها بعد فترة قصيرة، فيقوم بشراء كميات ليست بكثيرة ولكن تكفيه لشهرين أو ثلاثة، لكي يجنب دخله الارتفاع المتوقع للسلعة التي قام بتخزينها. وهذا النوع من الاستهلاك قليل جداً، لأن أغلب المواطنين ذوو إمكانية شرائية ضعيفة في الوقت الحالي.

كما لوحظ أن المستهلك ذا الدخل المحدود يتوجه في شراء الملابس والأحذية وما شابه إلى البسطات ومناطق تجمع البالة، لأن تلك السلع المعروضة في تلك الأسواق تعتبر أرخص بكثير عن السلع المعروضة في الأسواق المعروفة ضمن دمشق أو ريفها، ولكن السلع التي تباع في الأسواق الشعبية قد طالها أيضاً ارتفاع الأسعار. وربما تصبح بعد مرور وقت ليس بطويل غير ملائمة لدخل المواطن السوري. وهذه الارتفاعات وفق الكثير من أصحاب البسطات كانت نتيجة قلة السلع في أسواق الجملة، والقفزات المتتالية لأسعارها. فقد ارتفعت أسعار الملابس القطنية بنسبة فاقت 200% مع شح في أنواع الألبسة القطنية في السوق، وذلك نتيجة توقف معظم المعامل في ريف دمشق وحلب، وأن معظم السلع التي تباع حالياً في السوق كانت مخزنة في بعض المعامل. ويمكن قياس ذلك على مختلف أنواع السلع، كالأحذية والمواد الغذائية وحتى الأدوية أيضاً.

 

الصيدلي أصبح طبيب المواطن..

والمازوت والغاز للضرورات فقط..

ومن التغير الذي طرأ على العادة الاستهلاكية لدى المواطن التوجه إلى صيدلي معروف وذي خبرة لكي يكشف عليه ويأخذ الدواء دون أن يذهب إلى الطبيب، لأن المواطن لم يعد قادراً على دفع أجر الطبيب وسعر الدواء معاً..

الظروف الحالية أثرت أيضاً على أسلوب شراء السلعة أو الحصول على الخدمة، كما أنها أثرت أيضاً على استهلاك السلعة نفسها. فأصبح المواطن السوري يقنن على نفسه وعلى أسرته أيضا. فهو إن حصل على أسطوانة غاز ممتلئة يقوم بتدليلها كثيراً ويحرص عليها أكثر من أي شيء آخر، فلا يقوم بالطبخ عليها في حال وجدت الكهرباء، خوفاً من أن تفرغ، فالحصول على جرة الغاز يحتاج إلى واسطة وبسعر مضاعف مرتين أو ثلاث مرات، وكذلك الأمر بالنسبة لمادة المازوت. ففي حال استطاع أن يحصل على بضع لترات من المازوت فإنه يحرص أشد الحرص على أن لا يفرط بنقطة واحدة منه في غير وقتها، أي أنه ينتظر إلى أن يتساقط الثلج أو تهب العواصف لكي يعطي أوامره بإحياء المدفأة وإشعالها. أما في الأيام العادية فإنه يقوم بالتدفئة الذاتية أي بالأغطية الصوفية وما شابه. وفي في حال كانت الشمس مشرقة فإنه يضع أسرته في الشمس لكي يحصل على الدفء المجاني.

إذاً لن نطيل في سرد تغير عادات الشراء والاستهلاك لدى المواطن، والتي يمكن إجمالها بجملة واحدة هي: أنه أخذ يتبع نصائح أجداده وطريقة معيشتهم.

ولا بد من الإشارة إلى أن تغير الحالة الاقتصادية في أسواقنا هي التي دفعت المواطن إلى تغيير أسلوب استهلاكه وشرائه، وخاصة أن التضخم الذي التهم الدخل مؤخراً كان سبباً رئيساً في ضعف القدرة الشرائية، فقد ذكرت مديرية دعم القرار في رئاسة الوزراء، في نشرتها التنموية عن آب ،2012 أن ارتفاع معدل التضخم وصل إلى نحو 40%.

وكان المكتب المركزي للإحصاء أعلن مؤخراً أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك عن شهر آب لعام 2012 بلغ 86,203%، محققاً ارتفاعاً قدره 80,5 نقاط عن تموز الماضي، مشيراً إلى أن التضخم السنوي عن آب 2011 ارتفع بمعدل 49,39%، وعن شهر حزيران 2012 بمعدل 93,2%.

العدد 1104 - 24/4/2024