«شيءٌ ما» يجمع بين ثلاثة عشر شاعراً على مسرح هذا العالم..!

(كنت سمكة صغيرة

في إبريق عواطفي

فأطلقت صراخك لتعود إلى البحر

فأصبحت

أنت البحر.

فصممت على أن أنساك

و..لكن أصوات أمواجك

دائماً تعلن صارخة

عن وجودك)!

ذلك ما تسرّ به الشاعرة الإيرانية سلفانا سلمانبور، بقصيدتها (حضور)، وهو ما ستتقاطع به مع قصائد لثلاثة عشر شاعراً من شرق العالم، و..من مغربه، ذلك ما سيترجمه الناقد الإماراتي شهاب غانم في كتابه (هذا العالم مجرد مسرح) و..بعنوان آخر مرافق هو (قصائد من الشرق والغرب) وجد فيها الباحث أن ثمة ما يجمع بين القول الشعري، وإن اختلفت المسافات في أمكنة قول كل شاعر، و..مهما اختلفت الأزمنة..!!

هكذا سيترجم غانم قصائد مقاطع شعرية من المشهد السابع في الفصل الثاني من مسرحية (كما تحب) للشاعر الإنكليزي شكسبير (1564-1616) التي فيها يؤكد أن:

(هذه الدنيا خشبة مسرح،

و.. جميع الرجال والنساء مجرد ممثلين:

لديهم مداخلهم ومخارجهم،

و.. الرجل الواحد يلعب أثناء حياته أدواراً عديدة..).

وهذه الأدوار التي يعددها شكسبير بسبعة أطوار تبدأ من دور الرضيع، و..حتى النهاية بمروره بالطفولة الثانية، حيث تنتهي حياته مهملاً منسياً، وقد فقد أسنانه، وبصره، ومقدرته على التذوق، و..فقد كل شيء..!

وليم شكسبير، الذي يُعد الشاعر البريطاني الأشهر في اللغة الإنكليزية، يختار له الباحث مقاطع أخرى من مسرحية (هاملت أمير النمارك) من مشهد (أن تكون أو لا تكون)، وكذلك من خطبة مارك انطونيو بعد مقتل قيصر من مسرحية (يوليوس قيصر) و..كذلك (غداً وغداً وغداً) من مسرحية (ماكبث).

من بريطانيا يختار الباحث شاعرين إنكليزيين آخرين (آه، هل أنت من يحفر على قبري؟) للشاعر توماس هاردي (1840-1956) قصيدة (إذلال) للشاعر د.ه.لورنس (1885-1930)، وثمة قصيدة لشاعرٍ إنكليزي أمريكي (المواطن المجهول) هو الشاعر دبليو إتش أدون (1907-1973)، و..في دائرة اللغة الإنكليزية، يختار شهاب غانم لشاعرين أمريكيين، وثالث يوغسلافي أمريكي هم: هنري وادسورث لونجفيلو (1807 – 1882( قصيدة بعنوان (مزمور الحياة)، وللشاعرة سارة تيسيل (1884-1933) قصيدة (إنني لست لك) ثم للشاعر ذي الصيت الذائع شالز سيميك المولود عام (1931) قصيدة بعنوان (حجر) قبل أن يذهب بعيداً شرقاً وغرباً سواء بالجغرافيا، أو إيغالاً في الزمن البعيد، وصولاً إلى الزمن المعاصر، قصائد تتقاطع بينها الهموم الشخصية لتصير هموماً إنسانية، وكونية، تماماً كما هو الشعر الحقيقي في كل زمان ومكان (شخصي يهم الآخرين)..فشارلز سميك الذي ولد بيوغسلافيا عام ،1938 وعاش طفولة صعبة أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم هاجر إلى أمريكا عام ،1958 ونشر أولى مجموعاته الشعرية العشرين عام ،1959 ثم عمل في الجيش، وتخرج بعد ذلك في جامعة نيويورك، له أكثر من ستين كتاباً، يتسم شعره بالإدهاش والصور غير الاعتيادية، يقول في قصيدة (حجر):

(ادخل في قلب حجر،

تلك هي طريقتي.

دع الآخرين يكونون بأسنان نمر

أما أنا فيسعدني أن أكون حجراً..).

في هذه المختارات قديمها وحديثها نتلمس شيئاً واحداً هو عزلة الإنسان… ليس أي إنسان فقط، بل ذلك الذي يمضي بعيداً في إنسانيته مدركاً لوجوده على أرضٍ عليه أن يترك فيها بصمته الخاصة، وهو أمر اجتمع عليه شعراء الأرض من مغربها إلى مشرقها في هذا الكتاب. و..مما تقدم، نرى هذا التقاطع بين سميك من غرب العالم، و.. الشاعرة الإيرانية التي قدمنا بها هذا المقال، الشاعرة سلفانا سلمانبور، لا سيما في قصيدتها (الآلة المعدلة) حيث تثير وبكل رقة حكاية المرأة المثقفة في مجتمع استهلاكي يحوّلها بشكلٍ تلقائي إلى آلة، فهي تضيع بين أعمال المنزل والأعمال خارجه وما تريد أن تكونه، ما يستهلك وجودها وإنسانيتها ورغبتها في أن تكون هي، وليس ما يريده الآخرون:

(إنني ضائعة

أبحث عني في كل مكان

تحت الصحون النظيفة والمتسخة

بين الخضراوات المفرومة

في سلة الثياب التي

لم تغسل بعد

في خزانة ألعاب الأطفال

خلف الكتب التي تنتظرني

وفي الأوراق التي

سودتها صرخاتي).

سلفانا التي ولدت في إيران عام 1956 وهي تُقيم في الإمارات منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حيث أسست منتدى الأدب الفارسي.

على أمريكا اللاتينية يعرّج الباحث ليختار قصيدة (الصباح) لشاعر نيكاراغوا أرنستو كاردينال المولود عام ،1925 كاردينال الذي تعلّم في جامعتي المكسيك وكولومبيا، هو قسيس كاثوليكي، وفي الوقت نفسه ماركسي منحاز للفقراء، وكان البابا يوحنا بولس الثاني قد انتقده لأفكاره الدينية التحررية، كما ناصر حركة الساندانست اليسارية ضد ساموزا، و..كان عُيّن وزيراً للثقافة عند وصول الحركة إلى السلطة، ولكنه استقال من حزبها عام ،1995 وهو أيضاً مؤسس ورئيس فخري لمؤسسة أدبية ثقافية في نيكاراغوا، ويكتب الشعر بالاسبانية، و..يعدّه الكثيرون أكبر شعراء أمريكا اللاتينية في الوقت الحاضر، و..قد نال جوائز أدبية عديدة، ورشح لجائزة نوبل، ولكنه صرّح أنها لا تهمه، ولا يرغب فيها، وفائدتها الوحيدة مبلغ الجائزة الذي يمكن أن يذهب للفقراء.

ولعل أهم ما يمكن الحديث عنه في شعر ترانسترومر المولود في استكهولم عاصمة السويد عام 1931 الذي حاز على جائزة نوبل للسلام عام ،2011 هو الصورة، إذ يعترف الجميع بأنه عرف كيف يجدد فن الاستعارة، وهي نقطة أشار إليها أدونيس في مقدمته للأعمال الكاملة المترجمة لترانسترومر إلى العربية، حين يقول (إذا كانت الصورة فجر الكلام) كما يقول باشلار، فإننا نجد هذا الفجر في شعر ترانسترومر، ولئن كان التعبير الحي يرتبط بالقدرة على إبداع الصور، فإننا كذلك نجد في شعر ترانسترومر مثالاً فريداً عن هذا التعبير. إذ يشير في شعره إلى اليومي الخاص، وكل شيء محدد الزمن المسافة الفضاء، ومع ذلك، فإن هذه المعطيات تبدو، وقد تعرضت لخضّات الطبيعة الإنسانية ولتعقيد الأشياء واللحظات العائدة للصورة نفسها. إذ يقع الكل في نوع من الحيوانية التي تشير إلى وحشية العالم:

(مرة كانت هناك صدمة

تركت خلفها ذيلاً طويلاً ومتلألئاً لمذنب

إنه يبقينا في الداخل ويجعل صور التلفزيون تشبه هطول

الثلج.

ويستقر في قطرات باردة على أسلاك الهاتف

ما زال في إمكان المرء أن يتحرك ببطء على الزلاجات في

شمس الشتاء.

من خلال الأجمات التي ما زالت بعض الأوراق تتدلى منها

إنها تشبه صفحات ممزقة من دليل قديم للهاتف

أسماء ابتلعها البرد.

مازال الاستماع إلى نبض القلب جميلاً).

و.. في اليابان، للباحث شهاب غانم محطة طويلة مع عدد من القصائد للشاعر الياباني دايساكو إيكيدا الذي ولد عام ،1928 و..هو فيلسوف بوذي مهموم بقضايا السلام العالمي، له أكثر من مئة كتاب، إيكيدا نتعرف عليه من خلال ست قصائد:

(في روحي

يشعّ نورٌ عظيم

وفي أعماق حياتي

تشعّ كل يوم

أمجاد مئة عام من التاريخ..).

على خشبة مسرح العالم الشعري هذا، لم يجد الباحث الإمارتي شهاب غانم شاعراً عربياً يتقاطع مع مشاغل شعراء العالم من الشرق والغرب، و..العيب ليس في شعراء العربية أبداً، فالعرب هم أمة الشعر لا تزوير في ذلك، إنما العيب في الرؤيا والرؤية العوراء، التي لا تستطيع النظر إلى المشهد من جهاته الأربع..!!

العدد 1105 - 01/5/2024