حذاء الطنبوري

ضمن فعاليات مهرجان ربيع الأطفال في سورية قدمت مسرحية حذاء الطنبوري على مسرح الحمراء بدمشق، وهي من تأليف عيسى أيوب وألحان سمير حلمي وإخراج سمير الشمعة وقد اقتصر الديكور على باب لمنزل الطنبوري وبالقرب منه باب لمحل أبي مسمار بائع الأحذية و(الكندرجي) الذي يقوم بإصلاحها في الوقت ذاته.

وعيسى أيوب اشتهر بكلماته المغناة ولوحاته الفنية المشهود لها بالخفة والرشاقة. يبدأ العرض بأغنية لصاحب المحل المجاور لمنزل الطنبوري، تتحدث عن أهمية مهنته ومحاولة إقناعه لجاره الطنبوري الذي يقوم بدوره الفنان مأمون الفرخ كي يستبدل حذائه، ولعل دخول (بخلون) من حارة الخبز الناشف لم يكن سوى مجرد حوار قصير ليقال لنا بأن في العرض حواراً وكلاماً يحكى، ثم يعود الطنبوري للغناء الذي يصف فيه الحذاء الشهير، بعد ذلك تدخل (تفاحة) لتطلب من زوجها بالطريقة الغنائية ذاتها تبديل مهنته التي تعتبرها مشينة ومخزية، ليوقد جاء هذا المشهد حشواً ليس له علاقة بالحكاية الأساسية المعروفة في كتب التراث، فهل كان المقصود إطالة زمن العرض وحسب؟ فالعرض حتى اللحظة لم يتطرق لصلب الموضوع، وقد كان من المفترض أن يبدأ من ساعي البريد الذي يسأل عن منزل الطنبوري بأغنية جديدة، لنجد بأنه يحمل له رسالة من جزيرة (الون ون) وكيساً مليئاً بالنقود، فهل كان ذلك المال لعنة عليه أم هو حذاؤه الذي ما إن يتخلص منه حتى يعود ومعه خسارة جديدة؟ والطنبوري ترك مهنته في صناعة الجرار الفخارية وأعلن نفسه طنبورياً جديداً وكبيراً، أو هكذا اعتقد، فالمال يغير النفوس والحال لكنه حين يرمي الحذاء يشج به رأس أحدهم، فيدفع له النقود تعويضاً عن خسائره قبل أن يشكوه للقاضي، ويتكرر ذلك الأمر حين يسقط الحذاء على دجاجة في الحارة المجاورة ويقتلها، فيضطر لدفع مبلغ أكبر ذلك لأن صاحب الدجاجة ادعى بأنها تدر عليه ذهباً في كل يوم، أخيراً فكر بالبحر ليقدم لنا العرض مشهداً بحرياً رديئاً من حيث الصورة البصرية والأداء والإضاءة أيضاً أو هو لم يلق العناية الكافية من القائمين على العرض، لنكتشف أن الحذاء قد مزق شباك الصياد وبالتالي كان على الطنبوري أن يدفع المال من جديد، ثم يستسلم لمرضه بعد أن يعطي الحذاء للبائع الذي يهديه لأحدهم، يطول المرض ولا يستعيد الرجل صحته إلا بعودته إلى عمله في صناعة الجرار واستعادة حذائه القديم، لتكون النهاية لوحة جميلة على أنغام أغنية صانع الجرار الذي يتقن عمله ولا يغش. فهل السعادة في المال أم في التخلص منه لكي لا يكون الإنسان عبداً في خدمته؟ هل تكمن في العمل المتقن وفي الإخلاص وعدم الغش؟ أسئلة حاول العرض طرحها والإجابة عن بعضها، فالمحبة كما تقول كلمات الأغنية الأخيرة هي جذوة السعادة، والمال قد يبني القصور العالية ويشتري الكثير من الأشياء لكنه لا يستطيع أن يحقق السعادة، فهل حقق العرض الغاية المرجوة منه؟ وهل ناسب كل الشرائح الطفولية؟ نسأل عن ذلك ونحن نكاد نكون على يقين بأنه لم يخدم كل الفئات العمرية، لأنه أغفل الحكاية ونسي أننا أهلها، ثم نسي أن يمزج بينها وبين الحركة التي تجذب الطفل وتشده ليتابع العرض، واهتم فقط بأمر الغناء الذي بالغ فيه لدرجة التخمة والملل وكان يمكن أن تقدم بطريقة أجمل، فلا يكتفي بتقليد الممثل لصوت المطرب، وتمتين العرض بالحكاية لتكون بجانب الحدث والحركة كان سيجعل من العرض أكثر حيوية ورشاقة، ورائعة كانت كلمات الشاعر عيسى أيوب وشجي هو صوت سمير حلمي، ومتقن لصنعته وإخراجه سمير الشمعة.

 وما يجدر ذكره هنا أنه بالرغم من الأحداث وما حدث من خراب ودمار فقد شملت عروض مهرجان مسرح الطفل كلاً من حلب والسويداء وحماة واللاذقية وإدلب وحمص والحسكة والقامشلي وطرطوس إضافة إلى العاصمة دمشق التي قدم فيها أكثر من عرض كما في مدن أخرى وصلت فيها العروض إلى مراكز الإيواء، وهذه جهود حثيثة وتعب متواصل يشار إليه ويشكر كل من بذل من أجلها الوقت والمال لتقديم المتعة والفائدة لأطفالنا رجال الغد في كل مكان من أرض سورية الحبيبة.

العدد 1107 - 22/5/2024