الظروف الاقتصادية الحالية تستدعي السؤال: أين الدور الاجتماعي والاقتصادي للقطاع المصرفي؟

احتفظت أغلب المصارف الخاصة بموجودات ذات قابلية عالية للتسويق والتسييل، حماية لها ضد أي حالة نقص في السيولة.. وتحافظ المصارف على نسب سيولة تتجاوز الحدود المفروضة من المصرف المركزي وهي 30%، على حين تتجاوز النسب40%، وتصل إلى50%، وذلك من مصرف إلى آخر.

وبالنظر إلى أهم مؤشرات القطاع المصرفي خلال العام الماضي، يتبين لنا وفق ما نشر في العديد من الوسائل الإعلامية المحلية أن الأرباح الصافية للمصارف الخاصة الأربعة عشر العاملة في السوق المحلية تجاوزت 96,5 مليارات ليرة سورية خلال العام الماضي ،2012 وذلك وفقاً للبيانات المالية الأوّلية التي أفصح عنها مؤخراً، وعادلت تلك الأرباح 16,64 مليون دولار أمريكي على أساس سعر صرف للدولار 93 ليرة في السوق السوداء في نهاية العام. يضاف إلى ذلك أن القطاع المصرفي الخاص في سورية حافظ على نسب معقولة من حيث قدرة الموجودات على توليد الدخل في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة، إذ تبلغ نسبة العائد إلى موجودات في المصارف 1%، أي أن كل 100 ليرة من موجودات المصرف تولد ربحاً صافياً قدره ليرة سورية فقط، مع تفوق لأداء المصارف التقليدية، إذ تبلغ النسبة فيها 1,1% فيما تبلغ في الإسلامية 69,0%. وكلما كانت نسبة العائد على الأصول ليرة كانت ربحية المصرف أفضل ومردود الاستثمار فيه أكثر جدوى، وبالنتيجة يكون أداؤه أفضل.

ولكن يبقى السؤال: بما أن القطاع المصرفي حافظ على نسب سيولة تتجاوز الحدود المفروضة، وحقق أرباحاً خلال العام الماضي، فأين هو دوره الاجتماعي في ظل الظروف الحالية التي تمر على سورية؟

فقد لوحظ منذ بداية الأحداث في سورية أن النشاط المصرفي بشقيه العام والخاص شهد انكماشاً كبيراً، وكان نشاط المصارف الخاصة محدوداً جداً لدرجة توقف مختلف أنشطتها، بسبب عامل المخاطرة والظروف الأمنية. فجميع القروض التي كانت تمنحها المصارف الخاصة سابقاً توقفت مع إجراءات شديدة من حيث الضمانات في حال وافقت على أي قرض.. كما أن المصارف العامة لم تكن أفضل حالاً منها، فقد كان نشاطها الإقراضي ضعيفاً جداً، وكان يفترض بالقطاع المصرفي ألا يوقف نشاطه الإقراضي، وخاصة ما يتعلق بالجانب الاجتماعي منها. فهناك قروض تساعد شريحة واسعة من ذوي الدخل المحدود، لأن وظيفة المصارف لا تقتصر على جمع الأرباح والجانب الاقتصادي فقط، بل لها دور اجتماعي يجب أن تقوم به، ممثلاً بمنح قروض ميسرة وطويلة الأجل لذوي الدخل المحدود، ولكن هذا الجانب لم يتوفر في المصارف العامة أيضاً. كما أن المصارف الخاصة لم تمارس أي نشاط اجتماعي أو اقتصادي، مع الإشارة إلى أن هذا الانكماش في النشاطات المصرفية بدأ مع الأحداث في سورية لا منذ العام الماضي، فالعام الماضي ليس مؤشراً لتقييم أداء المصارف في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي.

رئيس نقابة المصارف: القطاع المصرفي أخذ كل شيء ولم يعط أي شيء

أوضح حسام منصور، رئيس نقابة عمال المصارف والتجارة والتأمين والأعمال المالية بدمشق، في تصريح ل(النور) أنه عندما صدرت المراسيم والتشريعات التي أحدثت بها المصارف الخاصة في سورية، توقعنا الكثير من هذه المصارف، إذ كانت الغاية من هذه المراسيم والتشريعات التي سمحت بإنشاء المصارف الخاصة في سورية، أن تقدم شيئاً للوطن وللمواطن، وأن تعين الحكومة على امتصاص البطالة، وأن يكون لها استثمارات كبيرة في السوق السورية.. ولكن ما تجلى لنا بعد ذلك، وخاصة في ظل الأوضاع الراهنة، هو أن القطاع المصرفي الخاص أخذ كل شيء ولم يعط شيئاً للوطن أو للمواطن، وكأن هذه التشريعات فُصّلت على أن تأخذ المصارف ولا تعطي.

وقال منصور: معظم هذه المصارف أجنبي، ولكن لا يهم بقدر ما يهمنا أن تقوم تلك المصارف بأداء واجبها الاقتصادي والاجتماعي للسوق السورية. إن المصارف الخاصة هي نوع من أنواع الاستثمار، والمستثمر يجب أن يقدم شيئاً للاقتصاد، إلا أن هذه المصارف لم تقدم شيئاً ولم يكن لها أي دور اقتصادي أو اجتماعي سابقاً وحالياً، ويمكن سحب ذلك أيضاً على شركات التأمين الخاصة العاملة في السوق السورية.

وسأل منصور: من المستفيد من دخول المصارف الخاصة وشركات التأمين الخاصة إلى سورية؟ مع العلم أنه يوجد بديل حكومي لدينا، فهناك شركة تأمين عامة وهناك مصارف عامة؟

وأضاف رئيس النقابة: أما بالنسبة للقطاع المصرفي العام، فإنه في ظل الظروف الحالية ونقص السيولة قد أوقف بعض القروض، ولكن يجب التنبيه إلى أن القسم الأكثر من القروض الميسرة من القطاع العام والموجهة إلى العمال وشرائح ذوي الدخل المحدود، ذهبت إلى التجار وأصحاب الرساميل والصناعيين، وقد قاموا بأخذ هذه القروض وأصبح أكثر من 70% منهم خارج سورية.وأوضح منصور أن القروض الحالية التي تمنح منذ فترة ستة أشهر مضت حتى الآن هي فقط من مصرف التوفير فرع دمشق. وفي حال أردت الحصول على قرض، فإن المواطنين هناك بالآلاف، وقد ذهب معظم المواطنين للحصول على قروض من أجل إعادة إعمار منازلهم وما تضرروا به من الأحداث الاستثنائية. وأشار إلى أن التعويض الذي تقدمه المحافظات للمتضررين من الأحداث لا يشكل شيئاً، وهو جزء بسيط جداً من القيمة الحقيقية للمتضررين، ولكن ربما كانت هذه هي استطاعة المحافظات، لذا فإننا نطالب بتعويض كل من تضرر نتيجة الأحداث الاستثنائية بقروض ميسرة دون فوائد.وأكد منصور أن الدور الاجتماعي للمصارف العامة هو صفر في ظل الأوضاع الراهنة، فعندما تقوم المصارف العامة بمنح قروض بفوائد، فهذا نشاط اقتصادي بحت، وبعيد كل البعد عن الشق الاجتماعي. وعندما تريد هذه المصارف أن تقوم بدور اجتماعي، فيجب عليها أن تمنح قروضاً ميسرة طويلة الأمد وبأقساط مريحة ودون فوائد لذوي الدخل المحدود وللمتضررين من الأحداث الاستثنائية في سورية. ولفت رئيس نقابة عمال المصارف إلى القرار الذي يخص عمال المصارف العامة، إذ صدر قرار بمنح قرض سكني لعمال المصارف العامة، وفعلاً كان هذه القرار وفق قوله بادرة جيدة، ولكن ما حدث أن العمال بعد أن أخذوا القرض البالغ حجمه مليوناً ونصف مليون ليرة سورية، قاموا بشراء المنازل. فإن بعض العمال تهدمت منازلهم وتضررت نتيجة الأحداث، ومازالوا يقومون بدفع الأقساط الشهرية المترتبة عليهم من القرض السكني. وطالب منصور بإعادة جدولة هذا القرض، إذ إن الجدولة لم تَطُل عمال المصارف العامة، إضافة إلى إعفاء العمال من فوائد القرض، وخاصة من تضررت أو تهدمت منازلهم بسبب الأحداث.

تعليق: أين الدور الاجتماعي للقطاع المصرفي؟

بعد عرض السابق لابد من تأكيد أهمية أن يلعب القطاع المصرفي دوراً اجتماعياً إلى جانب دوره الاقتصادي في ظل الظروف الراهنة، لا أن يتقوقع على نفسه رامياً وراء ظهره المهام التي يجب أن يقوم بها للمجتمع الذي يمارس نشاطه فيه، فلا يقتصر عمل المصارف فقط وقت الرخاء، بل يقع على عاتقها الكثير من المسؤوليات وقت الأزمات، ونأمل أن تقوم بتحمل مسؤولياتها الاجتماعية والاقتصادية أمام المجتمع.

العدد 1104 - 24/4/2024