مثخنة بالعشق والحلم والإيمان نجاح سلام.. نغمة إنسانية شاردة

يقول توفيق الحكيم في علاقة الفن بالأدب: إذا كان أحدهما الكأس، فالآخر الخمر! فيما يتساءل جبران خليل جبران، في رائعته (أعطني الناي):

هل تحمَّمت بعطرِ

وتنشّفت بنورْ

وشربتَ الفجرَ خمراً

في كؤوسِ من أثيرْ؟

وصدوراً عن اختلاف الكؤوس وتنوع الخمور، لا ملامة على أهل الأدب والفن والذوِّيقة. إذا ما خمِروا بأغاني (نجاح سلام)، التي تتمتع ببحّة صوت، يندر أن نقع على مثيل لها لدى مطرباتنا، منذ زمن (عبادة) و(رابعة العدوية-حسب مؤرخي الفن- و(منيرة المهدية) صاحبة البحة الأكثر عمقاً واتساعاً وجاذبية، حتى يوم الفن هذا.

 

قلة وفاء

أنْ يطرب لسماع (نجاح سلام) كبارنا وآباؤنا، حتى الشيوخ، وبضمنهم المتدينون الذين كثيراً ما كان يرددون أغانيها: ميّل يا غزيّل.. الشب الأسمر جنني.. جبنا العروس وجينا.. دخل عيونك حاكينا.. هالقد بحبك هالقد، وسواها، فهذا مما يُسعد النفس، ويَجْبُر الخاطر، ويدلّ على ما يتحلى به عامة شعبنا، من ذائقة طربية وأذن موسيقية..

أنْ يُمجِّد المُعجبون مطربتنا، ويقدرها معاصروها، مختصين وفنانين ونقاداً، لفرادة حنجرتها، وتميز شخصيتها، في الفن كما في الحياة، ويضعونها في مكانتها اللائقة، بين المطربات، فهذا ما تستحقه ابنة الجنوب اللبناني، الحاجَّة المثقفة الفنانة (أم سمر).

أما أن يُهمَّش اسمها في إعلامنا الراهن، حتى يكاد لا يمر لها ذكر على شاشة أو منبر أو مطبوعة، وإن مرَّ فعلى استحياء،

 ففي ذلك ما فيه من تنكُّر للفن، وتحجيم للفنان، وقلة وفاء لصاحبة (زمن الوفا)!

 

لفتة نظر

جايلت نجاح سلام المطربة سعاد محمد وأحبتها.. غنَّت قصائد كوكب الشرق بأسلوبها الخاص، ولم تقلدها.. واعتبرت صوت المطربة وداد – صاحبة (بتندم) – من أجمل ما خلق الله من أصوات.. سمعها عبد الوهاب وشجعها.. ثمَّن فريد الأطرش خامة صوتها عالياً.. كما لفتت (نجاح) بحميتها العروبية وبصوتها الممراح جمال عبد الناصر.

تُحب (سلام) سورية وتحفظ أفضالها، في رعايتها لها وإشهارها، شأن كثير من فنانات وفنانين عرب.

 

كتِّرلو.. كتِّرلو..

لئن نالت الأيام من جسد السيدة نجاح، فلم تنال من نبل روحها وشفافيتها وطيب معشرها، ولا من عافية صوتها وجماله، الذي أدى ببراعة وإحساس كبيرين، الموال والقصيدة والأغنية على أنواعها.

من طربياتها نذكر: (رقة حسنك وسمارك) من ألحان أمير البزق محمد عبد الكريم، و(ياريم وادي ثقيف) من ألحان طارق عبد الحكيم، الأغنيتين اللتين ما انفك محبوهما يحتفظون بهما، في شغاف قلوبهم ورنات هواتفهم.

ومن الوطنيات: (أنا النيل مقبرة الغزاة) و(يا أعظم اسم في الوجود).

ومن الطقاطيق: (كترلو.. كترلو) و(برهوم حاكينا).

 

المطربة المؤمنة

جدير بالذكر أن الفنان (محي الدين سلام) والد نجاح، قد علَّمها بنفسه أصول الغناء والعزف على العود، وتأكد من موهبتها، قبل أن يُعرفها إلى الأخوين رحباني، اللذين اكتشفا عبقريتها وقدَّماها مطربة في أوبريتاتهم الأولى في الإذاعة اللبنانية. وكانت (فيروز) آنذاك، ضمن الكورس الذي يردد خلفها.

أما ارتداء السيدة نجاح الحجاب، فماهو إلاإظهار لإيمان كانت تبْطنه، مايذكرنا بالشاعر عبد المعين الملوحي، وبقصيدته التي عارض فيها (مالك بن الريب) والتي أعادته إلى روحانية متجذرة فيه من مادية قد زعمها يوماً:

كفرتُ بربّي أربعين فمذ بدا   

بي الشيبُ خلّفتُ الشكوكَ ورائيا

وقال رفاقُ الدرب: ضلّ طريقه 

معاذَ إلهي قدتركْتُ ضلاليا!؟

العدد 1105 - 01/5/2024