دبس التفاح… عائد اقتصادي وصحي واجتماعي بأقل التكاليف

أمام ما يتعرض له زُرّاع التفاح بالسويداء من ضعف في تسويق إنتاجهم، وزيادة في تكاليفه، ضمن خطة مبرمجة لتجار الأزمة وابتزازهم، وما ينعكس سلباً على قيمة المردود لديه. فإن الإبداع العلمي يقدم حلولاً تحقق العائد الاقتصادي والصحي، مع وجود حواجز الابتزاز التجاري دون رادع لهم من أي جهة كانت، رسمية أم شعبية.

التقينا الباحث الدكتور بيان مزهر، رئيس مركز البحوث العلمية الزراعية بالسويداء، صاحب الفكرة العلمية بالتعاون مع الكيميائي مرسل الباروكي من غرفة زراعة السويداء في صناعة دبس التفاح والاستفادة من التفاح المخالف، فبين لنا أن شجرة التفاح هي الشجرة الأولى في محافظة السويداء، وتتميز ثمارها المنتجة بمواصفات نوعية وتسويقية هامة جداً من حيث قدرتها التخزينية ونسبة السكريات الموجودة فيها وألوانها الجذابة. وعلى الرغم من التوسع الكبير بزراعة التفاح في المحافظة وزيادة الإنتاج الذي وصل إلى ما يقارب 60 ألف طن في بعض السنوات بالسويداء، وبرغم الجهد الكبير الذي يبذله المزارع في خدمة هذه الشجرة، إلا أنه يصطدم بمشكلة كبيرة تتعلق بتصريف إنتاجه وتسويقه، خاصة ضمن الشروط القاسية التي يفرضها التجار عليه، والمتعلقة بمواصفات الثمار القابلة للتسويق، مما يؤدي إلى خروج كميات كبيرة من التفاح تعرف باسم (التفاح المخالف)، أي غير المطابق للمواصفات، والتي تبلغ بالمتوسط نحو10 آلاف طن. وهذا الرقم يشكل خسارة كبيرة  للمزارعين، لأنهم يصطدمون بتجار جدد متخصصين بهذا المنتج فيشترون الكيلوغرام الواحد بما لا يزيد على 4-5 ليرات سورية، وظنوا أن شركة العصير يمكن أن تكون حلاً أفضل، فوجدوا أن ما تدفعه الشركة لهم لا يساوي تكلفة أجور النقل.

وتابع الدكتور بيان مزهر: أمام هذه المشكلة وما يترتب عليها من خسارة كبيرة للمزارع وللدخل الوطني، كان لابد من البحث عن وسائل تساعد على استثمار هذه الثمار بواسطة التصنيع. ومن هنا برزت فكرة تصنيع دبس التفاح، إذ بدأت الفكرة بالتعاون بين مركز البحوث العلمية الزراعية بالسويداء وغرفة زراعة السويداء، مثلها الكيميائي مرسل الباروكي، الذي وضع المعايير والضوابط للحصول على منتج ذي قيمة غذائية وتسويقية عالية. وقد نفذت التجربة في معصرة المزارع توفيق كيوان في قرية سهوة الخضر كتجربة أولية. وجرى حساب المردود الصافي من الدبس إضافة إلى المواصفات الفيزيائية والكيميائية للدبس الناتج من حيث نسبة المواد الصلبة الذائبة (البركس) والسكريات الكلية والأحادية (غلوكوز + فركتوز).

وقد تميز المنتج بمواصفات نوعية عالية، إذ أعطى كل 8 كغ من التفاح كيلوغراماً واحداً من الدبس، الذي وصلت نسبة السكريات الكلية فيه إلى 68%، مع ارتفاع نسبة السكريات الأحادية خاصة الفركتوز، إذ تصل إلى 55%. مع العلم أن نسبة الرطوبة لا تتجاوز 25%. بعد ذلك قام مركز البحوث بإعداد برنامج بحثي لتصنيع هذا المنتج  في مركز بحوث السويداء، يتناول تأثير الصنف وموعد القطاف على المردود ومواصفات الدبس الناتج، إضافة إلى دراسة التغيرات الحاصلة على الدبس في فترة التخزين. وقد أشارت النتائج الأولية إلى أن المردود يختلف باختلاف الصنف وحجم الثمار ونسبة السكريات في الثمار عند القطاف والفرز. وبشكل عام فإن مردود الموعد المتأخر أفضل من الموعد المبكر، واللافت أن التجار الذين يخزنون التفاح قد استفادوا من ذلك أيضاً من خلال تصنيع نواتج الفرز الذي يجري في وحدات التبريد لديهم.

وقد بينت التجارب أن كل 7-9 كغ تفاح تعطي كيلوغراماً واحداً من دبس التفاح، يباع في الأسواق بسعر 200-250 ل س. فإذا علمنا أن تكلفة إنتاج كيلو الدبس تساوي  50-60 ل س  وسعر العبوة 25 ل. س فيكون سعر كل كيلو تفاح يساوي  15 ل. س تقريباً بدلاً من 4-5 ل. س في أحسن الحالات.

يذكر أن دبس التفاح يتميز بارتفاع نسبة سكر الفركتوز فيه، ويتحمل التخزين لمدة عام كامل دون تغيير مواصفاته، إذا ما تم تخزينه بشروط جيدة. كما أنه لا يتجمد بعكس دبس العنب.

أما عن طريقة تصنيع دبس التفاح فهي مشابهة بمعظم مراحلها لطريقة تصنيع دبس العنب، إذ تُزال الثمار التالفة، ثم يُغسل التفاح ويهرس وتضاف مادة كربونات الكالسيوم إليه، وبعد جمع الناتج يُكبس بواسطة مكبس هيدروليكي لاستخراج العصير الذي يُجمع ويروّق في خزانات خاصة، ثم تبدأ عملية سلق أولي ويُجمع الناتج ويروّق من جديد للتخلص من كربونات الكالسيوم وجميع الرواسب الأخرى، ويغلى حتى ينضج، ويترك الدبس الناتج في أوان خاصة حتى يبرد، ثم يجمع بعبوات حسب الطلب.

تجدر الإشارة إلى أن صناعة دبس التفاح وعائدها الاقتصادي ليس على الفلاح فحسب، بل اجتماعياً بتوفير فرص عمل جديدة لنصف عام من كل موسم زراعي، كذلك المساهمة في انخفاض نسبة البطالة، قياساً لصناعة دبس العنب، إذ يقتصر العمل لشهرين فقط في الموسم، ما يساهم في استقرار الأسر الريفية المترافقة على زيادة الطلب المنتج.

لعلنا نطرح سؤالاً: إذا كان التعاون بين البحوث الزراعية وغرفة الزراعة أعطى فائدة علمية غذائية صحية بهذا المستوى، فما بال المؤسسات ذات الاختصاص لا تخطط للاستفادة من بقايا النواتج لجميع المنتجات الزراعية والصناعية فيما بينها، وإعادة الاستثمار من جديد لتحقيق العائد الذي يساهم في تنمية الاقتصاد الوطني؟

 ولماذا لا تعمم تجربة البحوث وغرفة الزراعة في السويداء على باقي المحافظات التي تعنى بزراعة الأشجار المثمرة الأخرى، هل الأمر مستحيل؟

العدد 1104 - 24/4/2024