متى ستردم الهوة بين عملقة الأسعار والدخول الهزيلة..؟ أنقذوا المستهلك من فوران الدولار!

حقائق وأرقام صادمة نشرت عبر العديد من الوسائل الإعلامية، مفادها أن تقريراً صادراً عن اتحاد عمال دمشق ذكر أن خسارة الاقتصاد السوري تقدر بمليون ونصف مليون فرصة عمل حتى نهاية العام الماضي، الأمر الذي يؤثر في الظروف المعيشية لـ1,6 ملايين شخص. وذكر التقرير أن نسبة الفقر نتيجة الأزمة التي تمر بها سورية تنامت ودخل ما لا يقل عن 1,3 ملايين شخص ضمن دائرة الفقر العام، منهم مليون ونصف مليون شخص دخلوا الفقر الشديد خلال عام 2011.

وكان تقرير يرصد بشكل أولي منعكسات الأزمة وتأثيرها على واقع العمل والعمال، صادر عن الاتحاد العام لنقابات العمال، أوضح أن عدد العمال المسرحين وفق إحصائيات التأمينات الاجتماعية للمسجلين لديها بلغ 130 ألف عامل، وهناك نحو 35% من قوة العمل السورية البالغة 4,5 ملايين شخص تعمل في قطاعات العمل الخاص غير النظامي، وعددهم لا يقل عن مليونَيْ مواطن. وهناك نسبة كبرى منهم توقفت أعمالهم الحرفية والخدمية والتجارية بسبب الأحداث الراهنة.

وبلغت نسبة الإعالة في البلاد من 1 إلى 1,4 أشخاص، ومع توقف المنشآت وفقدان فرص العمل يتضح حجم الآثار المعيشية المباشرة على حياة العاملين، مضافاً إليها الغلاء وارتفاع الأسعار وآثار العقوبات والحصار الاقتصادي وعمل تجار الأزمات والمحتكرين والفساد.

إذاً أرقام مخيفة وصادمة يزاح عنها الستار وتعبر عن واقع العمل والعمال. وفي حال تطرقنا إلى الأجور التي تآكلت في ظل الارتفاعات الشاهقة لأسعار معظم السلع والمواد الأساسية وحتى الخدمات، فإن المكتب المركزي للإحصاء أكد في مسح له أن متوسط الدخل الشهري بلغ 069,14 ل.س عام ،2011 على حين كان 6026 ل.س عام 2002. ووفقاً لمسح المكتب المركزي بلغ متوسط الأجر الشهري في القطاع العام 17044 ليرة، وفي الخاص ،11267 وفي القطاع المشترك والأهلي والتعاوني 18158 ل.س.

الأجور والأسعار.. وتلاعب الدولار

فمتوسط الدخل الشهري لا يتجاوز 18 ألف ليرة في القطاع العام، ولا يتجاوز 12 ألف ليرة في الخاص، وفي حال لو أردنا المقارنة بين متوسط الدخل وبين الأسعار الرائجة حالياً في السوق المحلية لوجدنا فجوة كبيرة بين الأسعار وبين الأجور، وهي تأخذ بالاتساع يوماً بعد يوم نتيجة تقلبات سعر الصرف وجشع بعض التجار، الأمر الذي سبب خللاً كبيراً في الإنفاق الشهري للمواطن، وخاصة ذوي الدخل المحدود.

وفي استعراض سريع للأسعار التي آلت إليها السلع الأساسية في السوق المحلية، فإن سعر كيلو البندورة بلغ 120 ليرة سورية، إذ صنفت على أنها أصبحت ذهباً أحمر، مسجلة رقماً جديداً في تاريخ الأسواق السورية.. وكذلك الأمر بالنسبة لكيلو الخيار الذي بلغ 110 ليرات، والكوسا التي أصبحت بـ120 ليرة، والباذنجان الذي أصبح بـ،70 والبصل أصبح بـ75 ليرة، والبطاطا التي هي خبز الفقراء أصبحت ما بين 50 و55 ليرة، والليمون بـ 70 ليرة، وغيرها من المواد التي تعدّ أساسية ولا يمكن الاستغناء عنها. وهي سلع تستهلك يومياً لدى جميع الأسر بشتى مستوياتهم الاقتصادية. ولكن في ظل الأسعار الحالية أصبحت السلع السابقة من الصعب الحصول عليها بكميات كافية.. وبالتالي انخفض استهلاك تلك المواد وقلّ الطلب، وهذا بالطبع يؤثر على كل الأطراف المنتجة والمستهلكة، ويؤثر على الاقتصاد بشكل كامل، لأن المنتجات الزراعية، ومنها الخضراوات، هي حلقة أساسية في السلسلة الاقتصادية، وكل تأثير يطولها فإن التأثير سيطول الاقتصاد برمته.

ويمكن سحب ذلك على باقي السلع الأساسية، مثل الفول والحمص والحبوب والبرغل والفريك. إذ تبين أن سعر كغ البرغل تراوح بين 85و100 ليرة، والبرغل فريك بـ175 ليرة، والفول البلدي بـ125 ليرة، والحمص بـ140 ليرة، والترمس بـ115 ليرة، والعدس الأحمر المجروش بـ90 ليرة، والعدس الأسود بـ95 ليرة.

وبلغ سعر القمح بين 90و100 ليرة، وسعر فول الصويا بين 160و175 ليرة، وسعر اللوبية بين 170و180 ليرة، وسعر الفاصولياء البيضاء بـ200 ليرة، والفاصولياء الكلاوي بـ325 ليرة.

أما البيض والفروج فحدث ولا حرج، فقد بلغ سعر كيلو الفروج المذبوح والمنظف 375 ليرة، أي أن أصغر فروج من حيث الوزن سيكلف المواطن ما لا يقل عن 700-800 ليرة. أما البيض فقد انخفض قليلاً ولكن سعره مازال مرتفعاً مقارنة بالدخل الحالي. إذ كان سعر صحن البيض 315 ليرة وأصبح 290 ليرة وذلك حسب الوزن، أي أن سعر البيضة الواحدة أصبح 10 ليرات سورية. ولا ننسى السمون والزيوت والفواكه. أي أن متوسط الدخل لن يكون كفيلاً بتلبية المتطلبات الأساسية للمستهلك، بل أصبحت أسعار السلع الأساسية تفوق الدخل، وهذا هو مكمن الخلل.

وبالطبع فإن المواطن بدخله الذي أصبح هزيلاً أمام عملقة الأسعار أصبح لا يعلم كيف سيواجه هذه الأسعار بجيوبه المخرومة. فربة المنزل كانت تموّن منتجات البرغل والحمص والفول والعدس وغيرها من الحبوب والبقوليات في سنوات سابقة بكميات كبيرة، لأن أسعارها كانت مقبولة نوعاً ما، أما حالياً بعد مضاعفة أسعارها بنسبة قاربت 100% فقد حال ذلك دون اتباع هذه العادة. وأشارت إحدى ربات المنزل إلى أن بلوغ سعر كيلو البرغل المحلي الإنتاج الـ 100 ليرة، ليضاهي بذلك سعر الرز، بينما كان لا يتعدى سعره 45 ليرة، والعدس بـ95 ليرة، في حين تجاوز سعر الفاصولياء البيضاء 200 ليرة، ما تسبب في إلغائها من حسابات الأسرة مع التقليل من شراء أصناف أخرى. وقال أحد المواطنين: إن أسعار المنتجات تشهد تصاعداً يومياً مع بقاء الراتب، الذي فَقَدَ نصف قيمته، ثابتاً، بسبب التضخم الحاصل في السوق المحلية، وهو أمر يصعب على الأسرة المنخفضة الدخل تحمله في ظل امتداد الأزمة إلى مختلف السلع الأساسية والكمالية.

مواطن: أسعار السلع ستشتعل قريباً ويجب منع ذلك

وقال أحد المواطنين لـ(النور): إن الأسعار أصبحت لا تحتمل، فالدخل يتناقص يوماً بعد يوم ولا يمكن وصفه بأنه ثابت في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، ومعظم التجار يسعّرون سلعهم وفق سعر الدولار الذي بلغ 120 ليرة لأول مرة في تاريخ السوق السورية، وبالتالي الأسعار ستشتعل قريباً أكثر من اشتعالها الحالي، ويجب التحرك لمنع ذلك. وأكد المواطن أهمية أن تقوم الجهات الحكومية بالتدخل السريع لكبح جماح تجار السوق المتلاعبين بسعر الصرف، والقضاء على الاحتكار في السلع والتلاعب بقوت المواطنين، وعدم المس بالليرة السورية التي أصبحت تفقد قيمتها الشرائية بشكل متسارع وكبير، دون أدنى تحرك من الجهات المسؤولة.

وعبّر أحد المواطنين عن أن الأسعار الحالية أصبحت تشكل تحدياً حقيقياً لدخل المواطن، إذ إن مبلغ 10 آلاف ليرة أصبح فعلياً لا يساوي في قدرته الشرائية سوى 5 آلاف ليرة أو أقل، وأن الراتب فقد نصف قيمته الشرائية، بسبب تدهور قيمة الليرة وتلاعب تجار السوق السوداء بالدولار والليرة السورية. وطالب الحكومة بالتدخل السريع والقضاء على تجار السوق السوداء الذين يقومون بشراء الدولار من الدول المجاورة بأسعار رخيصة، ويجلبونه إلى سورية ويبيعونه بأسعار مرتفعة لضرب العملة الوطنية، مشدداً على أهمية مكافحة هذا الأمر. ولفت إلى أن المتلاعب بالاقتصاد الوطني أشد خطراً من الإرهابي الذي يحمل السلاح وفي كل خطر.

وطالب أحد المواطنين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتوسع في نشاطها وزيادة كادرها ومكافحة الفساد في بعض عناصر المراقبين للسوق. إذ يقوم بعضهم بقبول الرشا، وخاصة بما يتعلق بسلع المحروقات. وأكد أهمية انتقاء المراقبين من ذوي السمعة الحسنة والشرفاء الذين يخافون على المصلحة الوطنية وعلى الوطن. ولفت إلى أن وزارة التجارة الداخلية مقصرة في أداء واجبها تجاه مراقبة الأسواق، وأنه من الضروري تقييد السوق من فلتانه الحالي، وجعل 90% من السلع مقيدة وخاضعة للرقابة الحكومية. وفي حال عدم القدرة على تنفيذ ذلك، فأمل المواطن أن تقوم وزارة التجارة الداخلية بإتباع أسلوب وزارة التموين سابقاً قبل عشر سنوات في ضبطها للأسواق، إذ كانت الأسعار مقبولة والسلع متوفرة دون احتكار أو استغلال.

تعليق: التحرك العاجل لإنقاذ الليرة وتوظيف البطالة واستقرار الأسعار

كما نلفت إلى أهمية أن تقوم الجهات المسؤولة عن ضبط السوق بأداء واجبها، وفرض عقوبات قاسية بحق المخالفين، ونأمل أن يلعب قانون العقوبات الاقتصادية الجديد دوراً في الحد من ظاهرة التلاعب بالأسعار والمواصفات والاحتكار، وخاصة أن هناك الكثير من المواد والسلع أصبحت تنتشر في السوق وتحمل أسماء وماركات تجارية معروفة، إلا أنها مزورة وتباع على أنها سلع حقيقية وهي عكس ذلك.. كما نأمل أن يتم التحرك العاجل لإيقاف نزيف الليرة السورية من ضربات المضاربين في السوق السوداء وبعض شركات الصرافة. ونؤكد أهمية حصر بيع القطع الأجنبي في المصارف العامة فقط، لأنها أقدر على ضبط عدم التلاعب بالقطع، وأن يستغنى عن شركات الصرافة في الوقت الحالي. فالقطاع السياحي ضعيف جداً في الوقت الحالي، ويمكن للتجار الحصول على القطع الأجنبي من المصارف العامة من أجل عمليات الاستيراد، ويمكن للمصارف العامة أن تقوم بدور شركات الصرافة والمصارف الخاصة، مع أهمية أن تقوم الجهات المعنية بملاحقة تجار السوق السوداء وإلقاء القبض عليهم ومحاسبتهم.

كما ننبه إلى أهمية سد الفجوة التي تتسع يوماً بعد يوم بين الأسعار والدخل، وفي أقل تقدير الحد من ارتفاع الأسعار وجعلها تستقر عند مستوى معين، مع أهمية إيجاد الحلول الناجعة للمواطنين الذين انضموا إلى معدلات البطالة وامتصاصها في مشاريع متوسطة وصغيرة، بهدف تحريك العجلة الاقتصادية قدر الإمكان ومنع إيقافها. وبالتالي تحريك السوق وزيادة الطلب على الليرة السورية. إضافة إلى إيجاد فرص عمل، إذ إن نسب البطالة تزداد، ولا بد من التحرك المشترك من القطاع العام والخاص، بحيث يكون تحركاً عاجلاً ودقيقاً ومدروساً لكيفية توظيف هذه البطالة والاستفادة من خبراتها، دون تأخير، لأن التأخير يعني مزيداً من الخسائر على شتى النواحي.

يذكر أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، اقترحت في كتاب وجهته إلى الحكومة أيلول الماضي، زيادة الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام والخاص، بما يلائم الأسعار.

ويشار إلى أن المكتب المركزي للإحصاء، أعلن في كانون الأول الماضي، أن ارتفاع مجموعة الأغذية، ومنها الحبوب والخبز على وجه الخصوص، أدى إلى صعود الرقم القياسي لأسعار المستهلك عن شهر أيلول الماضي 42,16 نقطة، وهو ما يعني زيادة الأسعار بنسبة 120% في مجمل سورية، مقارنة بشهر آب من العام ذاته، في وقت حافظت حلب على تصدرها المحافظات الأكثر غلاء بنحو 160%.

العدد 1104 - 24/4/2024