ألكسندر بورودين (1833-1887)

يورودين، الملحن العبقري، الكيميائي المميز، المعلم والناقد الموسيقي. من أهم ممثلي الثقافة الروسية في النصف الثاني من القرن 19 امتلك موهبة غير مألوفة وجاء في المقام الأول كمؤلف موسيقي في تاريخ الثقافة العالمية، مؤلفاته لم تكن كثيرة ولكنها مميزة، غنية، متنوعة، مبنية على قوالب كلاسيكية تميزت باسلوب روائي لحني واسع وبانسجامات ملوّنة ونشيطة، ارتبطت معظم أعماله بالملاحم الروسية والقصص البطولية الشعبية. كان الفضل الكبير لأمه التي قامت بتعليمه تعليماً جيداً. انجذب بورودين إلى الموسيقا واكتشف قدراته في طفولته، إذ تعلَّم العزف على آلة الفلوت والبيانو وآلة التشيلو، استفاد كثيراً باستماعه على أعمال السمفوني ودرس بشكل خاص لوحده نظريات الموسيقى الكلاسيكية.

ظهرت لديه الموهبة مبكراً في تأليف الأغاني، أول تجربة له عندما ألف بولكا هيلين لآلة البيانو، وكونشيرتو لآلة الفلوت وكتب أيضاً (ثلاثي وتري) (آلتين كمان وآلة تشيلو) على لحن لأوبرا روبرت لو ديابل للمؤلف جياكومو مايربير. في هذه الأثناء بدت على بورودين ميول واضحة للعلوم والكيمياء، فقد كانت شقته مليئة بالعبوات والمقطرات وجميع المواد الكيميائية.

 في عام 1850 اجتاز بورودين بنجاح الفحص الطبي الجراحي في الأكاديمية الطبية العسكرية في مدينة سان بطرسبورغ، وكرّس نفسه بحماس لممارسة الطب والعلوم الطبيعية والكيمياء. كان بورودين مغرماً بالأدب وخصوصاً بأعمال الأدباء: غوغول، ليرمونتوف، بوشكين. مهتماً بالفلسفة والموسيقى، يذهب الى الحفلات والأمسيات التي تعرض الرومانسيات والأغاني الشعبية الروسية والأوبرا الأيطالية. كان يتردد بشكل دائم على أمسيات الرباعي الوتري للهواة، شارك في كثير من الأحيان باعتباره عازف تشيلو، تعرّف في هذه الأثناء على أعمال المؤلف غلينكا وأصبح من المعجبين به ومن أتباعه.

عمل بورودين على إتقان فن التأليف الموسيقي، فقد كتب عدة أعمال غنائية رومانسية، أعمال لثلاثي وتري (آلتين كمان وآلة تشيلو) اعتمد فيها على الموسيقا الشعبية الروسية، وعدة أعمال لخماسي وتري (آلتين كمان، آلة فيولا، آلة تشيلو وآلة كونترباص). وظهر في أعماله تأثره بالموسيقا الأوروبية.

في عام 1858 حصل على شهادة الدكتوراه في الطب والعلوم الطبيعية باختصاص الكيمياء، استقر بورودين في مدينة هايدلبرغ (ألمانيا) حيث اجتمع هناك مع العديد من العلماء الروس الشباب، كان من بينهم العالم الشهير ديمتري ماندلييف، وناقشوا لا القضايا العلمية فقط، بل قضايا الحياة الاجتماعية والسياسية والأدب والفن أيضاً. بورودين عمل بشكل مكثف في مجال العلوم، لمدة 3 سنوات في الخارج، قام بابتكار وكتابة 8 أبحاث كيميائية، مهمة، وسافر كثيراً في أنحاء أوروبا، تعرّف على ثقافات عديدة وكانت الموسيقا ترافقه أينما ذهب.

التقى بورودين في مدينة هايدلبرغ عازفة البيانو الموهوبة والمهتمة بالموسيقا الروسية التي أصبحت زوجته لاحقاً، وبدأ يشعر بنفسه كمؤلف روسي فقد كتب عدة أعمال كان أهمها خماسي البيانو دو مينور عام 1862.

في خريف عام 1862 عاد بورودين الى روسيا، انتُخب كبروفيسور في الأكاديمية الطبية الجراحية فحاضَر هناك وقام بورشات عمل، وبدأ بالبحوث الكيميائية الجديدة.

بعد وقت قصير من عودته الى بلاده التقى بورودين مع بالاكيريف الذي رأى في بورودين موهبة رائعة في التأليف الموسيقي، وقام بدعوته الى الموسيقا على أنها المهنة الحقيقية له.

يدخل بورودين دائرة بالاكيريف، كوي، موسورغسكي، ريمسكي كورساكوف والناقد الفني ستاسوف، تعاونوا كمؤلفين روس اشتهروا في تاريخ الموسيقا باسم دائرة العظماء أو الخمسة العظماء.

كتب بورودين أول أعماله (السمفونية الأولى) بإشراف بالاكيريف (اكتمل انجاز السمفونية الأولى عام1867). قدمت بنجاح في 4 كانون الثاني عام 1869 في حفل بمدينة سان بطرسبورغ بقيادة بالاكيريف، في هذا العمل (السيمفونية الأولى) ذي القالب الكلاسيكي والحيوي بدا على بورودين الجانب الإبداعي والنضج الموسيقي الذي أدّى الى اتجاه جديد في الموسيقا الروسية. وكتب بورودين عدداً من الأغنيات مختلفة المواضيع، وفي الطبيعة الموسيقية، منها: الأميرة النائمة، البحر، أغنية الغابة المظلمة، أميرة البحر، معظم هذه الأغاني كانت من كلماته أيضاً.

في أواخر ستينيات القرن 19 كتب بورودين سيمفونيته الثانية، والأوبرا الشهيرة الأمير أيغور، لكن ومع ذلك كان بورودين يعمل ببطء شديد في الموسيقا، فقد كان يعطي الاهتمام لعمله الرئيسي الذي أخذ الوقت الأكبر في الأنشطة العلمية والتعليمية والأجتماعية، وكان من بين المبادرين والمؤسسين للجمعية الكيميائية الروسية. اكتملت السيمفونية الثانية عام 1876 وقد كتبها بالتوازي مع أوبرا الأمير أيغور، في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن 19 كتب بورودين عملين لرباعي وتري جنباً الى جنب مع تشايكوفسكي (أهم المؤلفين لموسيقى الحجرة الآلية في روسيا). وقد حاز الرباعي الوتري الثاني على شهرة واسعة وشعبية كبيرة، ولكن اهتمام بورودين الأول كان للأوبرا.

في أوائل الثمانينيات من القرن 19 كتب بورودين لوحة أوركسترالية (في سهوب آسيا الوسطى) وبضعة أوبرات والعديد من الأغاني، منها رثاء لأمير الشعراء الروسي والكاتب الروائي والمسرحي ألكسندر بوشكين، كأغنية (لشواطئ الوطن البعيد)، كتب بورودين في السنوات الأخيرة من حياته سويت وسكيرتزو لآلة البيانو، وكذلك واصل تأليفه للأعمال الأوبرالية، وكان يعمل على السيمفونية الثالثة ولكن لم تكتمل للأسف!

اشتهرت أعمال بورودين ليس في روسيا فقط، بل وفي ألمانيا، النمسا، فرنسا، النرويج وأمريكا. وأصبح واحداً من أهم المؤلفين الروس الأكثر شهرة وشعبية في أوروبا أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20.

 إبداع بورودين كان له تأثير كبير على أجيال عديدة من المؤلفين الروس والأجانب بما في ذلك: غلازونوف، ليادوف، بروكوفيوف، ديبوسي، رافيل وغيرهم…

ألكسندر بورودين، فخر الموسيقا الكلاسيكية الروسية.

العدد 1105 - 01/5/2024