قطع أكثر من 30 ألف شجرة حراجية في السويداء للتدفئة والابتزاز

عصفت الحاجة إلى التدفئة وسوء توزيع المازوت في السويداء بالثروة الحراجية دون رقيب أو حسيب، فقد قُطع أكثر من 30 ألف شجرة حراجية بقصد التدفئة. فيما استخدمت لجان توزيع المازوت القطارة ليكون للمبتزين والسماسرة الدور الأكبر في انتشار ثقافة التخريب، بعد أن أصبح سعر طن الحطب 17 ألف ل. س. بمعنى آخر باتت الثروة الحراجية مشاعاً للعابثين والمبتزين والكسب المادي السريع، وشُكّلت فرق امتهنت التقطيع والتخريب، وشنت غزوات منظمة تحت جنح الظلام نحو الأحراج والغابات وأدخلتها عنوة إلى الأسواق الاستغلالية والابتزازية، ليصل عدد الأشجار المحتطبة – حسب مصادر في دائرة حراج السويداء – إلى نحو 30 ألف شجرة حراجية.

ثمة سؤال: لماذا  انتشرت عصابات التقطيع والتخريب الهادف إلى القضاء على الغطاء النباتي الباعث للجمال والبيئة النظيفة للسويداء؟

ألم تلحظ عيون الجهات الرسمية أن التقطيع والتخريب فيه مفسدة لثروة وطنية، وأن عليها إيجاد الطرق الناجعة لوقفه ومنعه؟

سبب هذه التعديات هو أزمة المازوت، التي خلقت أجواء تخريبية، من ابتزاز وتقطيع وتخريب للثروة الحراجية التي هي جزء من الثروة الوطنية، وقضت على المنفذ السياحي البيئي، والمتنفس النظيف. الأمر الذي ولّد عند كثير من أبناء المحافظة الامتعاض، وطالبوا بحفظ تلك الثروة. وأصدرت الفعاليات الاجتماعية والدينية بيانات استنكار حتى تدخلت مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين ببيان تحريمي لمنع العبث بالثروة الحراجية، وذلك بتاريخ 12/2/2013. وقد ورد فيه تحريم مشيخة العقل التعدي على الأشجار أينما وجدت، حراجية كانت أم مثمرة، عن طريق السطو والقطع أو السرقة أو المتاجرة بالحطب، وتنفيذ الجهات المعنية الإجراءات والنصوص الإدارية والقانونية بحق المخالفين والعابثين في الثروة الحراجية والزراعية، كما طلبت من المواطنين حراسة الأحراج والأشجار بأنواعها المختلفة. إن عدم قدرة لجنة المحروقات على تلبية حاجة المواطنين من هذه المادة، عزز استباحة هذه الغابات، تحت شماعة عدم وجود مادة المازوت.

لكن علامات التخريب واضحة حينما تقتلع الشجرة من جذورها ونحن على بعد أيام من عيد الأم ويوم الشجرة العالمي، أليس مبعثاً للحزن والألم، أن يمارس على الشجرة التي هي خير وعطاء كالأم تماماً بهذه الوحشية، دون لحظ  الانعكاسات السلبية على أرض الواقع؟!

دائرة حراج السويداء سجلت العام الماضي رقماً قياسياً في تنظيم الضبوط بحق المخالفين، إذ وصل عدد الضبوط المنظمة بحق المعتدين على هذه الأشجار إلى 165 ضبطاً حراجياً، إضافة إلى قيامها بمصادرة عشرات الأطنان من خشب السنديان وست دراجات نارية حجزت بعد أن ضبطت وهي تستخدم لأغراض التقطيع. كما صودرت عشرات المناشير اليدوية والبلطات وثمانية مناشير تعمل على البنزين.

وقد أعادت دائرة حراج بالسويداء تلك الهجمة الشرسة على الأشجار الحراجية إلى عدم توافر مازوت التدفئة بشكل كاف، الأمر الذي جعل سوق الابتزاز يطفو ويصبح الحطب تجارة رابحة دون تكاليف، علماً بأن مناطق المحافظة تحتاج شهرياً إلى نحو 2500 طن من الحطب. عندما يفتح باب السرقة يدخل منه الكثير، إذ رغم صدور قرارات ملزمة بمنع الرعي الجائر عام 2000 وتحريمه في المناطق الحراجية كان التعدي أكبر من المتوقع، فقد استغل عدد من الرعاة فوضى التحطيب وبدؤوا يتسللون إلى أحضان محمية الضمنة كاسرين بذلك حاجز قرار تحريم الرعي الصادر عام 2000. فالرعي قائم على قدمٍ وساق وكل ذلك مرده إلى (رخاوة) الخاصرة الحراجية التي يفترض أن تكون محصنة بالخفراء الحراجيين.

قيل إن الشيطان يكمن في التفاصيل، والبحث في مضمون مسألة الحراج يتطلب طرح اسئلة عديدة أهمها: كيف استطاع بعض المواطنين منذ عشرات السنين الاستيلاء على مناطق حراجية دون حق قانوني؟ علماً بأنه قد صدر بحق المعتدين على أملاك الدولة  قرارات نزع يد لكنها لم تنفذ حتى هذا التاريخ، وهذا مأخذ آخر يسجل على لوائح الثروة الحراجية، ما يدل على عدم تطبيق مديرية الزراعة قانون الحراج الذي صدر لحماية الثروة الحراجية.

نقلنا تلك الهموم إلى دائرة الحراج بالسويداء، فبيّن رئيس الدائرة أن الحراج قد تعرضت فعلاً هذا الموسم لهجمة تحطيب شرسة، وقد نُظّم العام الماضي نحو 165 ضبطاً حراجياً، قامت بها المخافر الحراجية الخمسة الموجودة على الأرض، والتي يعمل فيها نحو 15 خفيراً حراجياً، وهذا العدد غير كاف مقارنة بالمهام الملقاة على عاتقهم. فالحاجة الفعلية تتطلب وجود 30 خفيراً حراجياً، والرعي ضمن المناطق الحراجية يشكل خطراً على الغابات. وترحيل الأغنام والماعز من مناطق الاستقرار الأولى، يقع على عاتق السلطات الإدارية المختصة. علماً بأن رخصة رعي مُنحت في موقع هشة بريكة بغية التخلص من الأعشاب، وتالياً للحد من الحرائق. كما مُنحت رخصة أخرى في موقع الطبقة قرب قرية الرافقة. وللحفاظ على الثروة الحراجية أدخل مؤخراً  مندوب من مديرية الزراعة إلى اللجان الخاصة بتوسيع المخططات التنظيمية للقرى، ويحق لهذا المندوب الاعتراض على توسيع تلك المخططات في حال كان هذا التوسع مخالفاً لقانون الحراج.

إن قرارات نزع اليد تُنفذ عن طريق الضابطة الحراجية. وهناك قرارات بنزع اليد قديمة منذ أكثر من 25عاماً. وهذه العقارات مزروعة بأشجار التفاح، وقد صودرت تلك الأشجار وفق قانون الحراج، كما شُيد منزلان على الحد الجنوبي لمحمية الضمنة منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وقد اتخذت الإجراءات القانونية بحق المخالفين وصودر المنزلان. ولكن تلك العقارات مازال المخالفون يستخدمونها.. وبتاريخ 6/9/2012 شُكّل فريق لتنفيذ قرارات نزع اليد عن الأراضي الحراجية وأملاك الدولة.

سؤال برسم وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، والمعنيين: هل تلك الإجراءات وغيرها تحمي الثروة الحراجية، بعد أن قطع منها أكثر من 30 ألف شجرة؟

ولماذا لم تنفذ قرارات نزع اليد الصادرة منذ عقدين ونيف؟ وهل سيقضى في العام القادم على آخر شجرة حراجية إذا لم يُوزّع المازوت بالسويداء، بدلاً من الاحتفال بعيد الشجرة وزيادة أعدادها الناشرة المنظر الجمالي والباعثة الهواء النقي النظيف والاحتفال ببيئة عطرة خلابة؟

نترك هذه تلك الأسئلة وغيرها في ذمة أصحاب القرار للحد من انتشار التحطيب العشوائي، والرعي الجائر، والعمل على وضع قوانين صارمة تمنع العبث بالثروة الحراجية التي هي ثروة وطنية بحق.

العدد 1104 - 24/4/2024