ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة: المثلية الجنسية.. ميل جنسي طبيعي أم مرض!؟

المثليةHomosexuality) ) ظاهرة موجودة عند الذكور والإناث منذ ما قبل التاريخ الموثق، وأول توثيق لها هي علاقة (خنوم حتب) و(ني أنخ خنوم) وهما ذكران من المصريين القدماء (حوالي 2400 ق.م) مروراً بالمجتمع اليوناني القديم والحضارات الأمريكية الجنوبية إلى الدولة الصفوية والحضارات اليابانية والصينية والدولة الرومانية وفي حضارات العصور الوسطى، وصولاً إلى عصرنا الراهن، إذ تحولت هذه الظاهرة إلى حركة اجتماعية يطالب عبرها المثليون باعتراف المجتمع بهم وبالزواج، وحتى بالتبني.

 كان عام 1980 عام تحوّل في هذه القضية، فقد شطبت المثلية الجنسية من الدليل التشخيصي الإحصائي  للاضطرابات النفسيةDSM) ) تصدره الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين)، بعد أن كانت مصنفة  كأحد أنواع الشذوذ الجنسي، وهو – كمرض – غير موجود أيضاً في دليل مشابه تصدره منظمة الصحة العالمية واسمه التصنيف الدولي للأمراض ICD

ينقسم العالم على مستوى الحكومات والمجتمعات والحركات السياسية والدينية إلى تيارين عند التعامل مع هذه الظاهرة، فالمواقف تمتد من اعتبار المثلي جنسياً خاطئاً، وبالتالي تجريمه ومعاقبته ثم إعدامه أحياناً، إلى اعتباره مريضاً ومجرماً فقط في حال قام بفعل جنسي مثلي على أساس أنها علاقة منافية للطبيعة ولها ضرر على المجتمع، إلى إعطائه الحق بتكوين علاقة جنسية مثلية دون محاسبة قانونية وصولاً إلى إعطائه الحق في الزواج وبالتالي السماح له بالتبني.

مرض وليست ميلاً طبيعياً

لتحديد الموقف من هذه الظاهرة لابد من دراستها من حيث أسبابها أولاً، وهي تنقسم إلى بيولوجية ونفسية. وتنقسم البيولوجية منها إلى جينية، إذ يؤدي خلل جيني إلى إنتاج الميول الجنسية المثلية، وأسباب هرمونية جنينية تخلق ميلاً مثلياً أو مختلطاً، وأسباب لها علاقة بتشوهات النمو التي تصيب الجهاز التناسلي أثناء المرحلة الجنينية (على اعتبار أن النشاط الهرموني في هذه المرحلة سيحدد شكل الجهاز التناسلي للجنين وبالتالي هويته الجنسية).

إن أمراضاً كالسرطان ومتلازمة داون والمشاكل القلبية ومشاكل ضعف النمو والقزامة وفقر الدم المنجلي والتصلب اللويحي وغيرها الآلاف من الأمراض تعود لأسباب جينية وتشوهية في المرحلة الجنينية. فلماذا تشطب المثلية من قائمة الشذوذ الجنسي في العرف الطبي العالمي ويبقى على أمراض لها منشأ مماثل؟

للإجابة عن هذا السؤال لابد من الاطلاع على الأسباب النفسية لنشوء هذه الظاهرة وتضخمها.

لاقت هذه الظاهرة كما أسلفنا رواجاً في الحضارات القديمة وفي البلاطات الملكية تحديداً، إذ لا رقيب دينياً أو علمياً على الممارسات المثلية مما أدى إلى انتشارها. وانتشرت في اليابان بشكل يناقض التعاليم البوذية التي تنبذ اللذة الجنسية وتراها عائقاً أمام التطور الروحي، إذ اعتبرت جزءاً مهماً من الحياة الرهبانية البوذية. وانتشرت في العصور الوسطى ضمن طبقة الإكليروس في أوربا وتحديداً ضمن فئة الرهبان أو الكهنة ذوي المراتب المتوسطة والعليا الممنوعين من الزواج. في عصرنا نراها تنتشر أيضاً انتشاراً سرطانياً في المجتمعات المحافظة وتحديداً تلك الشرائح التي تعاني الفقر حيث قد يكون الزواج مسألة صعبة، وفي شتى سجون العالم (وآخرها في سورية حيث صدرت فتوى المفاخذة ذائعة الصيت في سجن صيدنايا ضمن أكثر الأوساط تشدداً ضد المثلية).

مرض تحول إلى وجهة نظر

يعتبر المدافعون عن المثلية، سواء كانوا مثليين أم لا، أن الأمر له علاقة بحريتهم في الاختيار، فالمثلية تنتشر وتتحول وجهات النظر حولها وتتبناها حكومات وأحزاب سياسية، فالمثليون متزوجون في بيوتهم يربون أطفالهم المتبنين. وتصبح المثلية وفق تبويبهم لها أحد أشكال العلاقات الجنسية الثلاثة: المثلية والمتعددة والمختلفة (الطبيعية).

فما السبب في هذا التحول؟

السبب هو أن حجم تأثير الأسباب النفسية أكبر بكثير من تأثير تلك البيولوجية على انتشار الظاهرة، فلو اقتصرت الأسباب على البيولوجية لاستمرت الأبحاث بالكثافة نفسها التي تبحث في علاج الأمراض الأخرى. ولكن تأثير الأسباب النفسية أكبر وأعقد بكثير من أن تستطيع حكومات وأنظمة العالم الرأسمالي معالجته. إن الأمر من حيث المبدأ مشابه تماماً لمسألة الدعارة وقوننتها وشرعنتها في أوربا وأمريكا حيث لا يتمكن النظام الرأسمالي أينما وجد من تقليص جيش العاطلين عن العمل لديه. فيستعيض عن إنهاء الأسباب المؤدية إلى فروقات طبقية – وهذا مستحيل وفقاً لتركيبة النظام الرأسمالي – والتي تؤدي إلى ظهور أمراض اجتماعية، بتحويل الأمراض الاجتماعية نفسها إلى طريقة للإنتاج المادي ويعتبرها أحد فروع الخدمات.

خلاصة

المثلية مرض موجود، ولكن ما يفاقم انتشاره هو الأسباب النفسية الناتجة عن مشاكل اجتماعية كالكبت والفقر وانتشار جرائم الاغتصاب وما يضاعف انتشاره هو خطأ الاعتراف به عوضاً عن اجتثاث جذوره.

المثلية المشرعنة منذ الثمانينيات هي إنتاج رأسمالي بحت، وهذا ليس غريباً عما قد تفعله الطبقات المسيطرة محاولة إدارة أزماتها، فقد شجعها العديد من الفلاسفة والساسة الإغريق في الحقبة الكلاسيكية وعلى رأسهم أفلاطون في بداية عمره، بأن اعتبروها وسيلة جيدة لضبط نمو المجتمع عددياً.

العدد 1104 - 24/4/2024