جدلية احترام الذات وإنصاف الآخر

-1-

(يحق للشاعر ما لا يحق لغيره)!

عبارة معروفة.. مشهورة.. ونرددها عامة وخاصة، جادين ومازحين، كلما أراد أحدُنا تبرير أمرٍ لنفسه أو لسواه. وهذا ما لا غبار عليه ولا تثريب.

أما أن يمتلئ شاعر حتى منخريه بفحوى تلك العبارة، حاسباً ذلك حقاً مكتسباً له شرعاً وقانوناً، ويتخذه نهج عمل وتنظير، في الوقت الذي يمنعه عن سواه، من عباد الله الشعراء؛ ولا يتورّع عن توجيه النقد القارس لشعراء آخرين، على أشعارهم التي تخلو حسب زعمه من لون الشعر. في حين تجود قريحته، بقصائد له، لاسيما المهداة مإلى شعراء راحلين، بما لا لون.. لا طعم.. ولا رائحة، كل ذلك، من دون أن يرفّ له جفن أو يرعوي قلم…

فلعلّ ذلك يندرج، فيما يندرج، ضمن ما لا يسوغه منطق..

ولا يحلله شرع..

ولا تُجيزه (عداوة كار) تحت سقف مخافة الله وجنيّات عبقر!

-2-

(هكذا تصطاد طرائدها من القراء، بفخاخ العناوين المثيرة!)..

(السلعة مغلفة جيداً وتشبه غزل البنات أو البوشار أو البوظة!!).

بالمانشيت الأول أعلاه، وبالبونط العريض إلى اليمين.. وبالمانشيت الثاني، وبالبونط العريض أيضاً إلى الشمال، وتحت عنوان أعرض من كليهما (أحلام مستغانمي: راقصني.. خاصرني.. طيّرني..)، وبصورتين كبيرتين للكبيرة (مستغانمي) من الأعلى، مع صورة ثالثة لها وصورتين كبيرتين للكبيرة (غادة السمان) من الأسفل، وعلى مساحة صفحتين كاملتين للمجلة الشهرية الجديدة، (مسارات) في عددها البِكْر في أيار الماضي. وتُرك ما تبقّى من مساحة خجولة لتتوزعها (بلاغة النص)!

هكذا يبدأ صحافي وروائي سوري معروف نصّه بالظن قائلاً: نظن أن أحلام مستغانمي تقع على عناوين كتبها، قبل أن تنجز المحتوى، فمن الكتابة في (لحظة عري) إلى (ذاكرة الجسد)، مروراً بـ (فوضى الحواس) و(عابر سرير) و(نسيان دوت كوم) و(الأسود يليق بك).

وهنا لم نحزر- نحن القراء- ما المانع أو العيب أو الغلط حسب الصحافي الروائي، في اختيار الروائية (مستغانمي) عنوان روايتها، قبل المحتوى، هذا فيما إذا صح ظنه؟

ثم يقفز إلى عنوان كتاب (مستغانمي) الجديد (المجموعة الشعرية (عليك اللهفة)) مثار الشبهة لديه مع مجموعة شعرية لغادة السمان،  بعنوان (أعلنت عليك الحب) فيثبت بعضاً من طلقات الصيّادة مستغانمي:

في ذروة عزلته

يواصل قلبي إبطال مفعول قبلة

فتيلها أنت

كيف لقبلة أن توقف الزمن

كيف لشفتين أن تلقيا القبض على جسد؟..

ليتابع بعدها تعليقه على شعر الأديبة (مستغانمي) إذ يقول مقرّراً هنا وبعيداً عن الظن:

وكي تتخلص من تقويم (أشعارها) (وحصر أشعارها ضمن أهلّة من وضع الروائي كاتب النص، إشارة – منه ربما – لعدم اعترافه بشعرها أيضاً، أو باصطيادها الشعري حسب توصيفه) تعاجلنا بالقول:

لا تبحثوا في هذه النصوص عن أشعاري

ما هذه المجموعة سوى مراكب ورقية لامرأة

محمولة على أمواج اللهفة، ما ترك لها الحب

من يدٍ سوى للتجديف بقلم..

كل هذا، من دون أن يطلعنا الصحافي والروائي السوري، على طلقة واحدة من الطلقات الروائية (للصيادة) أحلام مستغانمي. ولا حتى أن يطرح لها وللقراء، بديله (الصواب) لواقع حال شغلها (الغلط)!

-3-

(مَنْ يكون فلان بين الكتّاب، حتى تتكلف الوزارة طباعة كتاب له؟..)

الاستنكار بصيغة ذلك السؤال، جاء في معرض ردّ كاتب مُكثر معروف ومسؤول، على استشارة مِنْ قِبل أحد المعنيين، بخصوص طباعة كتاب لأديب سوري لم يسبق له – على ضيق ذات يده –  أن أثقل على خزينة الدولة بطباعة مخطوط واحد.

علماً أن للكاتب المُستنكر – بكسر الكاف – كتب كثيرة صادرة باسمه عن الوزارة، معظمها جمع وإعداد، وأقلها مقالات له منشورة سابقاً. ولا أرمي هنا إلى التقليل من قيمة الجمع والإعداد، خاصة إذا توافرا، على دراسات ومقاربات متنوعة، لأديب غادر عالمنا ولن يتمكن من طباعة مؤلف يضم كتاباته. أو أن ما طبعه لا يشكل سوى جزء متواضع منها.

 بغض النظر عن القيمة الفنية والفكرية، لإصدارات المسؤول المذكور وأمثاله، وعن مقارنتها مع نظائرها، في المخطوط موضوع الاستشارة، وإخوته في المصير، لأننا لسنا في وارد التقييم ولا في موقعه، ولا نطمح إليهما.

ما يعنينا، هو، الآلية المتبعة في إجازة طبع مخطوط ما، على نفقة الدولة، ورفض آخر، والخلفية التي يصدر عنها بعض أولي الأمر وأصحاب القرار، وروائزهم، من رتبة التساؤل السابق كـ:

– هل يُعدّ (فلان) كاتباً كبيراً، حتى تُصدِر له الدولة كتاباً؟..

– مَنْ يعرف (زيداً) هذا الذي يريد جمع مقالاته في كتاب، على حساب الحكومة ؟..

– وكم يبلغ (عمرو) من العمر، ليفكر الآن بطباعة كتاب له؟..

أجل تعنينا وتُضحكنا وتُبكينا. تلك الخلفية والروائز، التي لن يستغرق نظيف قصدٍ وثقافةٍ وضمير طويلاً، كي يتكشف له ما يعوم فيه أصحابها، مِنْ بؤس وضحالة وجهل. هذا في حال حسن نيّة ذاك (النظيف)، وأعتقدها كذلك!

-4-

من شائع الأخطاء في التفكير والتقدير، لدى شريحة من أوساطنا، الفنية منها والأدبية والثقافية، أخطاء تفوق بخطرها الأخطاء اللغوية. أن يعتقد أحدنا أنه، لن يبرز ويكبر ويصير (شغلة) في مجاله، إلاّ بتقزيم الآخرين و بخسهم نتاجاتهم ومسخهم، وإذا استطاع محوهم، يكون أحسن!

 علماً أن الفرد أيٍّاً كان مسرح عمله، إبداعه أو هوايته، يكبر ويكتمل ويفتخر بمن حايثه وجاوره وعاصره من زملاء، فضلاً من سبقه. كما أن وجود المتميزين إلى جانبه، على تباين سمات تميزهم وتنوعها، لم يكن لينتقص من تيلة تميّزه – في حال وجوده – شيئاً.

ومَنْ يقرأ التاريخ يرَ أن معظم العظماء في الفن والعلم والأدب، لم يأتوا من فراغ، ولم يفتقر محيطهم إلى من يضاهونهم عطاء ويكبرون معهم وبهم، قيمة واحتراماً، ولكن..

ما يزرع الشوك والزؤان في حقول الفن والأدب، والأسى والأسف في النفس والشعور، أن أمثال الشاعر الناقد والصحافي الروائي والكاتب المسؤول، المومأ إليهم، إن لم يكونوا من الكثرة، على ما يؤهلهم لتشكيل ظاهرة في مجتمعنا، فهم في الحال عينه، ليسوا من القلّة على ما يحصرهم في حدود الاستثناء. وإذا اقتصر مقالنا هذا على هؤلاء، كعينة لتلك النوعية (المزغولة) من الأدباء، فما ذلك إلا لأن خواص الماء كافة، موجودة في نقطة منه!

العدد 1105 - 01/5/2024