معلمتي أنت أمي

طفلة صغيرة تتقدم بخطى مترددة بعض الشيء، كنت أنا، وكان يومي الأول في المدرسة

انتابني إحساس بالرغبة في العودة إلى حضن أمي الدافئ، فكل شيء غريب عني، الوجوه، الأشخاص، صغاراً وكباراً.

فجأة أطل وجه ليس ككل الوجوه، يعبّر في ملامحه عن الكثير من الحب والمودة واللطف، ابتسامتها جميلة كوجهها، حنونة كلمسة أمي، لم أتعرف إليها من تكون، لكنني شعرت بالأمان لكونها موجودة في هذا المكان الغريب.

بعد قليل، ومن خلال حديثها معنا كوننا التلميذات الجدد في المدرسة، أدركتُ أنها المديرة، لكني وببراءة الطفولة تخيلت أنها ستكون لي كل شيء، مديرتي ومعلمتي التي لن تفارقني ولن أفارقها، بل تمنيت ذلك.

ثم دخلت معلمة الصف، وهي أيضاً أرسلها لي القدر لتجعلني أتذكر ذاك اليوم بكل تفاصيله بعد مرور أعوام طويلة على مضيه، بابتسامتها الرقيقة وكلماتها الدافئة، ولمستها الحنون.

هذه المعلمة أمضيت معها عامين من عمري الدراسي، مما جعلني أتعلق بالمدرسة، وشجعني لأكون من المتفوقات دوماً، حتى بعدما تركتنا هذه الرائعة، وأكملنا تعليمنا.

بعد هذين العامين، وفجأة، اختفت مديرة المدرسة والمعلمة من حياتنا، لم ندرك كوننا أطفالاً ما معنى أن تنتقل المعلمة أو المديرة من مدرسة لأخرى، لكني لن أنسى ما حييت رعشة البرد التي أحسستها عندما فهمت أن معلمتي ومديرتي لن تكونا هنا بعد الآن، كانت الصدمة الأولى لي في العالم الخارجي بعيداً عن المنزل….

أتذكر أنني عدت يومها إلى البيت وأنا أبكي، وأطلب من أمي أن تحاول إعادتهما، لم أدرك أن هكذا قرارات لا علاقة للأهل بها.

منذ ذلك الحين، وأنا أسأل عنهما، وأتمنى أن أراهما بطريقة أو بأخرى، علّ القدر يعيد لي بعضاً مما سرقه من طفولتي.

مرت الأعوام، وأكملت تعليمي، وأصبحت مدرِّسةً، تنقلت من مكان لآخر في حياتي المهنية، وعندها أدركت معنى غياب معلمتي ومديرتي عن المدرسة في الماضي.

أوصلتني رحلة التنقل بين المدارس هذا العام إلى مدرسة كانت فيها المفاجأة التي كاد قلبي يتوقف عن الخفقان بسببها…

إنها هي، مديرتي التي أحببت، وبحثت عنها.

من بين الوجوه التي تعرفت إليها كزميلات عمل، أطل وجهها وضاءً كما كان، أطلت ابتسامتها ذاتها…

لقد عرفتها بحدسي، لكني خفت أن يكون القدر لي بالمرصاد فلا تكون هي.

بعد تردد وقلق، تقدمت منها، وسألتها من تكون،وبدون أي حرج من العيون التي تحملق فيّ، ارتميت بحضنها ما إن لفظت اسمها… واحتضنتها كما احتضنت أمي ذات يوم بعد غياب.

عدت أمامها تلك الطفلة ابنة الست سنوات…..

وها نحن الآن أصبحنا زميلتين….

كل يوم أتوجه إليها، لألقي عليها تحية الصباح، لأسترد من كلماتها شيئاً من جمال ذاك الزمان وبهائه…

إليك مديرتي  زميلتي  ألف تحية إجلال بعيد المعلم وعيد الأم

وإلى معلمتي الأولى التي لم ألتق بها بعد، ولا يزال الأمل باللقاء رفيق أحلامي، ألف تحية

وأمام جميع المعلمات والمعلمين الذين يتركون هكذا بصمات وذكريات في أذهان تلاميذهم… أنحني

كل عام وجميع المعلمات والمعلمين بالف خير

دام عطاؤكم الذي لا يقدر بثمن..

العدد 1104 - 24/4/2024